من فؤاد محيى الدين إلى السيسى
كيف يهجر الناس مثلث الدلتا إلى مثلث سيناء فى ضوء تصريح الرئيس السيسى أرضنا وها نبنيها ولن نفرط فيها، ونموت كلنا علشانها، وسنضرب الإرهاب ونقضى عليه بالقوة العنيفة (سبق أن قال بالقوة الغاشمة) وفى ظل انتهاء إنشاء 4 أنفاق تربط سيناء بالقناة، وحيث انتهى نفق الإسماعيلية بالفعل بمسافة تصل إلى 4 كم تقطعها السيارة فى 10 دقائق بدلاً من 10 ساعات حالياً، بالإضافة إلى نفق ثان بمنطقة أبوسلطان، والثالث بالسويس بجوار النفق الحالى، والرابع ببور سعيد، وفى ضوء خطة استثمارية تصل للمنطقة الاستثمارية بقناة السويس تصل إلى 40 مليار دولار، بالإضافة إلى 2 كوبرى عائم يحمل أحدهما اسم الشهيد المنسى والآخر الشهيد أبانوب، والرسالة الواضحة من هذه الأنفاق والكبارى وخطة الاستثمار الطموحة هى قطع أى ادعاء بأن سيناء جزء منفصل عن مصر، وإن كان إحدى أكبر سلبيات قناة السويس أنها شكلت عائقاً أمام ربط سيناء بالتنمية فى مصر، بل وباعدت بين أبناء القبيلة الواحدة فى الشرقية والعريش، وحيث كانت البحيرات المرة عبارة عن سبخات، أى برك ضحلة، وكانت هى الممر البرى المعروف عبر التاريخ وعبر منه الهكسوس والكنعانيون والعبرانيون من مدينة فارما عند العريش إلى مدينة بلبيس وبوبسطة بجوار الزقازيق شرقية، وقد كان هذا هو الطريق الذى قصده سيدنا موسى عليه السلام ليذهب إلى فلسطين فإذا به من شدة خوفه من فرعون يضل الطريق إلى العين السخنة ليعبر إلى عيون موسى، فى رابط برى رخو مؤقت وصفه القرآن الكريم «واترك البحر رهواً»، وهو ما يحتاج منا إلى دراسة علمية مرة أخرى، حيث ما زالت ينابيع المياه تتدفق على الجانبين كأنها تقول لمن لا يعرف هنا مر موسى وقومه عابرين البر، فى إشارة إلهية إلى أن سيناء ارتبطت برياً بأرض مصر رغم البحر بمعجزة إلهية، وها هى ترتبط برياً مرة أخرى بأرض مصر رغم القناة بمعجزة بشرية وبتوفيق من الله.
إنه من المحزن أن مصر بعد أن استردت طابا فى عهد الرئيس محمد حسنى مبارك وضعت خطة للاستثمار فى سيناء تبلغ 100 مليار جنيه (والغرابة أنه نفس الرقم الذى أعلنه الرئيس السيسى لتنمية بئر العبد فقط) ولكن الدولة لم تنفق إلا 25 مليار جنيه، وكان هناك أمل كبير فى ترعة السلام أن تنشق وتمتد وسط صحارى سيناء بفرع يصل إلى وسط سيناء ليضيف نصف مليون فدان للرقعة الزراعية، ولو وجدنا لأحد الأنفاق عند الإسماعيلية ماسورة ناقلة للمياه أو سحارة وجزء من ترعة الإسماعيلية إلى هذه المنطقة لكان فتحاً كبيراً فى زراعة وسط وجنوب سيناء، ومن الإنصاف أن الوزير حسب الله الكفراوى أيام الرئيس السادات وضع خطة لإنشاء ما يقرب من 500 قرية، لكل منها 1000 فدان أى ما يقرب من 500000 (خمسمائة ألف فدان) وهو نفس الرقم المتفق عليه بين خبراء الزراعة حتى الآن.
ولقد كان لى الشرف فى أول عهد الرئيس مبارك أن أحضر المؤتمر الذى طلب تنظيمه أ. د. فؤاد محيى الدين بتكليف أكاديمية البحث العلمى لترتيب ذلك.
وهكذا كانت الحكومات تعتمد على العلم والعلماء وحضره ألف خبير تنموى من كل التخصصات (وما زلت أحتفظ بأوراقه حتى الآن)، حيث كان لى شرف انضمامى لعلماء مصر فى الجيولوجيا، والبيئة، والمياه، والزراعة، والرى، والطاقة، والإسكان، والبنية الأساسية، والتعليم، والصحة، والثقافة، وتقدمت باقتراح للدكتور فؤاد محيى الدين أعجب به جداً، ولكن وزير التنمية المحلية آنذاك رفضه ولا أتذكر هل هو الفريق يوسف أبوطالب أم شخص آخر، وقد كان اقتراحى للدكتور فؤاد محيى الدين وتبناه أ. د. أبوالفتوح رئيس أكاديمية البحث العلمى بعد ذلك مستنداً للمقترحات التالية:
1- أنك لن تستطيع جذب المصريين إلا بحوافز اجتماعية قبل الاقتصادية، فلم يكن المصريون آنذاك يحبون الهجرة وعلينا أن ننقل معه قريته كاملة بكل من فيها وما فيها سواء كانوا عائلات أو موظفين أو بائعين.
2- أنه من الظلم أن تطلب من محافظى شمال وجنوب سيناء اللذين يدير الواحد منهما من مائة إلى مائتى ألف مواطن أن يدير فجأة 2 أو 3 ملايين مواطن.
3- أن تنمية الصحراء كما علمنا أستاذنا أ. د. عبدالفتاح القصاص وكان حاضراً لا تتم بطريقة الوادى، أى إنك تلجأ لطريقة تنمية الواحات وهى عبارة عن بقع تنمية غير ممتدة ولكن نقطع رمال وفقارى الصحارى بالزرع والبشر.
4- أنه لن تنجح التجربة إلا إذا جعلنا لكل قرية أو مركز تنمية إدارتها من محافظتها، بمعنى أن يكون لكل محافظ من محافظات الهجرة إلى سيناء نائباً لمحافظها مكتبه بسيناء ومسئول عنها، وله موازنة ضمن موازنة هذه المحافظة نواتها هى الموازنة المخصصة حالياً للمركز الحالى فى المحافظة القديمة.
5- أن الـ25 محافظة فى الوادى والدلتا مدعوة لاختيار المركز أو القرية التى ستنتقل لسيناء.
6- أن أقرب محافظات للتهجير هى المحافظات الأقرب جغرافياً أو الأعلى سكانياً وهى عشر محافظات (الشرقية، الدقهلية، دمياط، الإسكندرية، المنوفية، القليوبية) ثم (الجيزة، بنى سويف، المنيا، سوهاج).
7- أن انتقال بعض أجهزة أو أفراد من المحافظات العشر إلى سيناء سوف يساعد فى توفير البيانات الأساسية عن الأفراد والعائلات ويسهل فكرة الانتقال، بل قد يسهل أمر الهجرة حينما يكون المسئول على دراية بهم.
8- أن فكرة المدينة التوأم أو القرية التوأم فكرة معمول بها عالمياً، بل وطبقتها مصر فى تجربة المدن الجديدة، مثل بنى سويف الجديدة، والمنيا الجديدة، وأسيوط الجديدة وهكذا، وعليه فلنتوقع فى سيناء أسماء المدن والقرى الجديدة مثل جرجا الجديدة، أبنوب الجديدة، الفشن الجديدة، أطفيح الجديدة، وهكذا.
9- أن تنوع الموارد فى سيناء يفرض لكل مدينة أو قرية مجال التنمية، فمن الواضح أن المجالات التالية ستفرض شكل التنمية على كل مدينة:
1- التعدين: بترول، فحم، أو غيره سيكون عمل مدن قريبة من مصادره.
2- الصناعة: مثل مصنع أسمنت سيناء وتحتاج إلى 25 مصنعاً كبيراً لتوفير فرص عمل للنازحين من الدلتا إلى سيناء.
3- الزراعة: وتشمل توافر موارد المياه السطحية والجوفية والتحلية ونظم الطاقة الحديثة مثل الطاقة الشمسية، وكذلك الثروة السمكية التى يكون باكورتها بحيرة البردويل ومزارع أسماك قناة السويس التى افتتحها الرئيس السيسى.
4- السياحة الدينية والبيئية والليالى البدوية، تستطيع سيناء بطبيعتها النادرة أن تنافس الأردن فى نوعى السياحة البيئية والدينية والتاريخية، وتشكل رحلة العائلة المقدسة، وعبور ومسار سيدنا موسى تميزاً لا تنافسه دولة فى العالم لو أحسنت مصر استغلالها.
5- النقل البرى والبحرى شاملاً خطوط ملاحة يومية من ميناء بورسعيد إلى ميناء العريش ومن ميناء بور فؤاد إلى ميناء الطور، وعودة خط سكك حديد بورسعيد ليعبر بور فؤاد، مثل السويد وهولندا على عوامات مكملاً طريقه بخطين أحدهما إلى طابا جنوباً والآخر إلى رفح المصرية شمالاً.
وختاماً: إن مصر بيدها أقوى ورقة لجلب منح التنمية من المؤسسات الدولية وهى التكيف مع تغير المناخ وهو المدخل الوحيد لتمويل تنمية سيناء بديلاً عن الدلتا المهددة بالغرق أو التملح حسب التقارير الدولية، وتستطيع مصر أن تتقدم من الآن باقتراحات أن مدن الدلتا ومراكزها سوف يكون لها مكان بديل لاستقبال سكانها فى حال شدة الأثر لتغير المناخ سواء بارتفاع مستوى سطح البحر أو بشدة الأعاصير والسيول والكوارث الطبيعية كما يحدث فى كافة بقاع العالم.
أى إن مصر ستستبدل مثلث الدلتا المهدد من المناخ والمثقل بالتلوث بمثلث بكر وصاف وتاريخى ويطل على 3 أبحر هو مثلث سيناء، فهل يتبنى الرئيس ما رحب به فؤاد محيى الدين رحمه الله، أتمنى ذلك، (وفق الله السيسى فى مهمته الصعبة وحمى الله مصر وجيشها).