"جبتى منين الجبروت ده؟!"
جملة شعبية من الدرجة الأولى تحولت للسؤال الأكثر ترديداً بعد المشهد التاريخى الذى قدمته فى حلقة قتل الأم ــ الحاجة صفية ــ بمسلسل "الطوفان" والذى أصاب الجميع بصدمة لم ينج منها أحد حتى المتحجرة قلوبهم وكأنهم ضربتهم الصاعقة وهى صدمة الحدث.. أما الصدمة الحقيقية فكانت فى من تقدم هذه الصاعقة بكل شرها وتفاصيلها وجبروتها بمنتهى الواقعية والحرفية بأداء يستفزك لكرهها لأبعد مدى فى نفس الوقت الذى تصفق لها تقديراً وإعجاباً على هذا الـ "جبروت" التمثيلى!
حالة الكره الممزوج بالعشق التى صنعتها "روجينا" لا تستطيع توليدها بداخلك إلا نجمات من تصنيف "العتاولة"، فأنت تتابع وتكرهها وتنفر منها كـ "حنان"، ولكنك تعشقها كفنانة متمكنة من أدواتها حتى فى أصعب وأعقد المشاهد، وهى التركيبة التى بدأت تتضح معالمها فى "روجينا" بالسنوات الأخيرة فى مؤشر قوى على النضج والثقل والانتقال لمرحلة جديدة تؤهلها تماماً لقيادة الصف الأول باقتدار.
"جبروت" الأداء الذى تمكن من "روجينا" فى مشاهدها بتحول "حنان" فى مسلسل "الطوفان" على قدر صدمته، إلا أنه لم يكن مفاجأة على الأقل لمن يتابع مشوار "روجينا" فكان إعلانه عن نفسه فى مسلسل "كفر دلهاب" الذى قدمت فيه "زهرة" الشريرة "الحية" التى تلدغ بسمها وظاهرها النعومة بأداء قوى وثابت ومتماسك حتى مشاهدها الأخيرة، لتمسك "روجينا" بداية طريق لن يزاحمها فيه أحد بشكل يذكر لتعود ويقذف بها "الطوفان" للقمة التى أثبتت أنها تستحقها وهو ما بدا تدريجياً بمسلسل "حكاية حياة" تحديداً إضافة إلى أنها محظوظة بالوقوف أمام مجموعات من المخرجين المتميزين الذين استطاعوا إخراج طاقاتها المتعددة بشكل جعل منها حالة خاصة متكاملة.
الحقيقة أن "روجينا" صنفت منذ ظهورها الأول فى مسلسل "العائلة" و"ليالى الحلمية-ج5" كقطعة "بسكوت"، وهذا التصنيف يضم قائمة كبيرة من أسماء نجمات على مدار الأجيال إلى الآن ودائماً ما يرتبط هذا الوصف مع من يمتلكن ملامح هادئة ونعومة وأداء بسيط ورقيق، وهو ما تميزت به "روجينا" فى بدايتها مروراً بطريق غير قصير من مشوارها الفنى حتى كانت نقطة التحول العبقرية فى مسلسل "حكايات زوج معاصر"، مع الداهية الكوميدية "أشرف عبد الباقى" والمخرجة المخضرمة "شيرين عادل" التى تقدم كل فنان يعمل معها بشكل مختلف تماماً وتخرج منه فناناً آخر قد لا يعلم هو نفسه عنه شئ، لتنقلب حياة "روجينا" رأساً على عقب مع تحول 180 درجة فى الأداء والشخصية فتكسر قالب الـ "بسكوت" وتخرج منه بمنتهى القوة وتنطلق بين الأداء المتنوع حتى وصلت إلى الأداء "المتوحش" وتتحول من وجه جميل يقدم أداءً جميلاً إلى "رمانة ميزان" فى العديد من الأعمال الدرامية الكبيرة والثقيلة وبجدارة استطاعت أن تصنع الفارق سواء فى تلك الأعمال أو لنفسها شخصياً وهو الذى جعل من اسمها على أى عمل فنى مصدر ثقة لدى الجمهور وشهادة ضمان لجودة العمل.
مشوار "روجينا" ليس كما يعتقد البعض كان ممهداً ومفروشاً بالورود ومحطاته لم تكن بالسهولة التى قد يتم تصورها ولكنها كانت مليئة بالصعاب والجهد والتعب والأزمات أيضاً إلا أنها واصلت عملها بالاجتهاد وتطوير نفسها وموهبتها ولم تستند على كونها زوجة النقيب ولكنها أصرت أن تكون "روجينا" وليست "مدام أشرف زكى" فتحقق هدفها بقوة وهو ما يلزمك أن تنحنى لها احتراماً وتقديراً.
واقعياً ومهنياً "طوفان روجينا" وضعها فى أزمة حقيقية وهى أزمة ما بعد "الطوفان" خاصة بعد "وحشنة" الأداء الذى وصلت إليه لتنافس به أعتى النجمات واعتمادها على أصعب أدوات الممثل وهو التعبير بالنظرات والوجه والذى يتم تدريسه بشكل ثابت وأساسى فى مواجهة الكاميرا وفنون التمثيل إلا أن ما قدمته "روجينا" فى هذه الجزئية بالتحديد قد يجعلها هى نفسها يتم تدريسها مستقبلاً وهو الوضع الذى سيوجد لها صعوبة بالغة فى الاختيارات القادمة ولكن سيبقى الرهان على خبرتها وذكائها وتقييمها لآخر نقطة توقفت عندها ومؤكد سيرهقها التركيز فى مرحلة مهمة وفارقة ستجعل "عينيها فى وسط راسها".
احتفظت "روجينا" بقطعة الـ "بسكوت" فى شخصها الذى لا يتغير مع توالى نجاحاتها وزيادة نجوميتها فإستطاعت تحقيق المعادلة الصعبة بالجمع بين نجاحها كأم وزوجة مع النجاح المهنى وكذلك الاجتماعى إضافة للجانب الانسانى ولكنها مهنياً تمردت على قالب الـ "بسكوت" متحولة لـ "جبروت" مسجلاً باسمها بعلامة مميزة .... "جبروت البسكوت".
بالإيطالية "ملكة" والأصل "ريجينا" ... وفى قول آخر باللاتينية "الرمح القوى".
"روجينا.. الملكة ذات الرمح القوى" أصابت الهدف.. أصابت القمة تماماً.. والسر فى "الجبروت"..
ولكن.. "جبروت البسكوت"!