بعد ما يقرب من 24 ساعة، ينهى عقرب الساعة الكبير عناقه مع «صغيرها» ليعلن بدء عام جديد نتمنى أن يكون نهاية لآلام البعض وذلك الانكسار الذى تعلق مرارته فى حلوق آلاف إن لم يكن أعدادهم تتجاوز الستة أرقام..!
وبينما تتعلق نظرات البعض بتلك اللوحة التى ترسمها «الألعاب النارية» فى الفضاء احتفالاً بالمقبل الجديد.. وبينما يتعانق البعض الآخر عندما يصل العد التنازلى -فى تلك الليلة إلى رقم واحد- تستند ظهور آلاف الأسر على أسوار المستشفيات العامة انتظاراً لسماع بشرى أن «مريضها» قد أفاق من غيبوبته أو أن طفلها قد كف عن الصراخ.. أو أن علاجه مما يعانيه قد بدأ.. نعم بدأ..!
ممنوع الأكل.. ممنوع الشرب.. ممنوع الحركة.. ممنوع العمل.. أو اللعب.. قائمة طويلة من الممنوعات تتسع كل يوم انتظاراً لرحمة الله سبحانه وتعالى، بينما تضيق قائمة المسموحات وتغلق على مجرد السماح بـ«الألم.. التأوه.. اليأس.. الإحباط»..!!.
بين القائمتين يمضى عشرات الآلاف من المرضى ساعات قليلة من حياتهم مكبلين على أسرتهم -إن كان لهم مكان- أو على الأرض فى «طرقة» أى مستشفى عام انتظاراً لدواء قد يخفف عنهم الألم أو حتى لـ«رضعة لبن» -لا تملك أسرهم ثمن علبة منه- تنهى ألم الجوع عن ذلك الصغير.! المأساة التى تنحدر من تلك السطور أعلاه تأتى بمناسبة رسالة عن دراما إنسانية تتجسد فى «مستشفى أبوالريش للأطفال» تلقاها مستشار قضائى صديق ونقلها إلىّ وأنشرها بأخطائها الهجائية كما وصلتنى دون أى تدخل من جانبى.. إذ تقول الرسالة:
(كان معايا مبلغ بسيط نويت أروح أتبرع بيه فى أبوالريش وأول ما وصلت بتاع الأمن بقوله عاوزة أتبرع جرى جابلى كرسى وكان ناقص يشيلنى.. قعدت على جنب بالكرسى شفت طفل متكفن ييجى أربع أو خمس سنين من طوله على إيد باباه واحد مستنيه بموتوسيكل ومامته بتجرى وراه ومعاها واحدة بيقولوا لو ملقناش ميكروباص هنتصرف ونيجى.. وفضلوا يجروا فى الشارع ورا الموتوسيكل اللى هو مفيش تاكسى ياخدوا ابنهم فيه مش معاهم فلوس وأنا اتسمرت مش فاهمة حاجة وفهمت بعدها من واحدة كانت واقفة جنبى طفلة ييجى ١٢ سنة قالتلى ده كان داخل على رجله واتوفى، مامته كانت بتقول كده وهى بتصرخ لهجتها صعيدية قالتلى أنا من أسوان بس لينا قرايبنا قاعدين عندهم جه أخوها ييجى تلات سنين لاقيت فى إيده كانولة يا حبيبى وواقف جنبها الولد حافى.. أى وقت بالليل تعدى جنب سور المستشفى هتلاقوا ناس نايمة فى الشارع.. دول أهل الأطفال اللى جوه مش معاهم إمكانيات يأجروا مكان يباتوا فيه فبيناموا فى الشارع وكمان ساعات يندهوا على أهل الطفل محتاجين لبن محتاجين دواء يعنى منتهى الذل.. دخلونا للمدير الإدارى، الراجل رحب بينا وجاب لنا مدير الخدمة الاجتماعية طلعنا مكتبه جاب فايل فيه أطفال محتاجة علب لبن ومفيش إمكانية يعنى ممكن يموتوا عشان مفيش لبن.. طفلة عندها ٨٠ يوم عاوزة أنبوبة أكسجين ومفيش إمكانية، أهلها بيلفوا يدوروا على حد يسلفهم.. طفل محتاج دوا بألف جنيه وحالته خطيرة مش مع المستشفى غير ٢٠٠ جنيه وكمان تبرعات.. وحالات كتيييييير مش قادرة أوصفها بس دول اللى فاكراهم.. المستشفى فيها أورام وقلب مفتوح وفشل كلوى.. يافندم ليه مش عاملين دعاية قال احنا مش معانا نصرف على الدعاية.. فيه أسر جاية من أدغال مصر وفيه أسر مش معاها موبايل، متخيلين إنهم قاعدين فى الشارع عشان لو حصل حاجة محدش هيعرف يوصلهم.. أى جنيه بتدفعوا بيبعتوا عالواتس صورة بالفاتورة.. الراجل قال احنا هنا بفضل ربنا وتبرعاتكم هى اللى سندانا.. أنا مكنتش ناوية خااااالص أقول لحد بس بعد اللى شفته بعينى وقد إيه الناس دى محتاجة ومحدش يعرف عنهم حاجة دول أطفال بتموت وأطفال فى حضانات وأطفال عندها أورام واللى عندها أيام وصماماتها مسدودة وعندها أكتر من ثقب وأمهات شفتها شايلة عيال صغيرييييين وفى إيديهم الكانولة كنت عاوزة أعيط جنبهم، حمدت ربنا على كل نعمة مش حاسين بيها وربنا يجيرهم فى مصائبهم.. لو كل واحد فينا أقل الإيمان خد خمسين جنيه وراح أقسم بالله ممكن تنقذ طفل.. ممكن كل كام واحدة وواحد وصحابهم يلموا من بعض ويتصدقوا كل شهر هناك وخلوا كل مرة نية حلوة للصدقة الجميلة دى.. والله والله ربنا أكرم مننا احنا اللى محتاجين ده مش هما.. ابدأ بنفسك وساعد غيرك.. مستشفى أبوالريش للأطفال فيها أطفال بتموت عشان أهلهم ممعهمش ٥٠ ج يجيبوا علاج، اللى عاوز يتبرع يروح بنفسه ويجيبلهم علاج أو دم أو يتبرع فى حسابهم فى بنك ناصر الاجتماعى حساب رقم ٣/٤٦٦٧.. شير فى الخير.. عايزين نشير علشان الناس تساعد.... والخير دوار... شير فى الخير دعوة للتبرع لمستشفى أبوالريش للأطفال.. وفى وسيلة سهلة للتبرع عن طريق فورى ربنا يتقبل).
إلى هنا انتهت الرسالة التى لا ترسم فقط ملامح لمأساة يعيشها مستشفى «أبوالريش» دون غيره من المستشفيات العامة وتلك المعاناة التى تتحملها آلاف الأسر التى كتب على أطفالها أن تتغير مفردات اللغة التى يتكلمون بها فـ«سندريللا والشاطر حسن» لم يعودا أبطالاً للحوار وحل محلهما تعبيرات غريبة على طفولتهم «جراحة.. استئصال» تتردد على ألسنتهم دون إدراك معنى خطورتها..!
وإلى أن تصدق تأكيدات وزير الصحة حول قدرة نظام التأمين الصحى الجديد فى إنهاء معاناة المرضى وبخاصة غير القادرين فى أى مكان بمصر «المواطن لن يضع يده فى جيبه مرة أخرى ليتلقى علاجاً طبياً» فإن السطور السابقة تخص فقط أصحاب القلوب الرحيمة دون غيرهم..!