لست من هواة حصاد العام المتمثل فى أحسن عشرة أفلام وأحلى عشر ممثلات وأجمل عشرة رجال، لكن أحب حصاد العام المتمثل فيما طغى من أفكار وما هيمن من سلطات (بضمن السين أو فتحها كما يتراءى لك) وما بزغ من توجهات. فهذا النوع من الحصاد يلقى أضواء على ما هو آت لمن يرغب فى بعض من توقعات وقليل من إضاءات.
ويمكن القول إن عدداً من الأفكار والتوجهات سطع نجمها خلال العام المنصرم تستحق أن تكون سيدة العام، فمن لا معقوليزم مجلس النواب، لشطحيزم نظرية التآمر، للنفاقيزم الطوعى، للصلفيزم الاقتصادى، وريائيزم المرأة، وثيوقراطيزم المؤسسات الدينية والقواعد الشعبية، ومنها للصكوكيزم بلا حدود.
ولنبدأ من عام الصكوكيزم الذى أثبت خلاله المصريون أن كلاً منهم قادر على منح الصكوك وسلبها لمن أراد فى الوقت الذى يشاء، هذا وطنى، وهذا كافر، وهذا خائن، وهذا متآمر، وهذا فاهم، وهذا مؤمن وهلم جرا.
ومن الصكوكيزم الشعبية إلى اللامعقوليزم النيابية، وقد أبى العام العجيب أن ينصرم قبل أن يترك لنا هدية نيابية ثقيلة، التفكير فى قانون يجرم الإلحاد ويعاقب عليه هو اللامعقوليزم بعينه، معاقبة الإلحاد بالسجن أو الغرامة أو حتى بالتشهير لم تكن نكتة العام، بل مصيبته وكارثته الفكرية، ويجب ألا يطغى لامعقوليزم تجريم الإلحاد على غيره من لامعقوليزميات النواب السابقة، بدءاً بمشروع قانون يعاقب من يسمى مولوده اسماً أجنبياً، مروراً بتنظيم الاستلطاف وضبط الاستظراف، حيث مشروع قانون لتقنين الخطوبة، وانتهاء بمنع البوس فى البرلمان والبنطلونات المقطوعة فى المؤسسات الحكومية وإخصاء المتحرش وفرض رسوم على فيسبوك وغيرها من اللامعقوليزميات الكثيرة.
الكثير من الشطحيزم أيضاً ميز عام 2017، حيث كل مجموعة تؤمن بأفكار أو تؤيد توجهات أو تتعاطف مع معتقدات شطحت فى نعوت التآمر والعمالة لغيرها، محبو الرئيس السيسى يعتبرون كل من ينتقد أو يعارض أو يتساءل مجموعة من الخونة والمتآمرين، ومؤيدو الفريق شفيق اعتبروا أن كل من انتقد تفكير الفريق فى الترشح لرئاسة مصر هو خائن وغدار، وعاشقو الرئيس الأسبق مبارك تعاملوا مع كل من يعتبره مسئولاً عما نحن فيه من تجريف وتغييب وكأنه ناكر للجميل جاحد للكرم والجود.
وقد جادت السماء على مصر فى عام 2017 بأناس من أهل من يقدمون السبت أملاً فى أن يجدوا الأحد، ومع انتهاء العام تزايدت أعدادهم واتضحت آثارهم فى كل صوب وحدب، هؤلاء قرروا إما أن يدعموا الرئيس السيسى لفترة رئاسية ثانية، رغم أن الرجل لم يعلن نية الترشح، أو أن يجبروه على الترشح رغم أنه لم يعلن عدم الترشح، وهناك فريق ثالث نصب نفسه مسئولاً عن تشويه وتحطيم وتكبيل كل من قد يفكر فى أن تسول له نفسه بالترشح، رغم أن أخلاق الرئيس لن تحبذ ذلك، ويمكن تصنيف هؤلاء تحت بند النفاقيزم الطوعى.
ومن النفاقيزم الطوعى إلى الصلفيزم الاقتصادى، الذى تعانى منه ملايين المصريين، فالعام الماضى ضاعت فيه ملامح الخطط الاقتصادية وانقشعت فيه مؤشرات المسئولية المالية، فلا أحد يشرح للمصريين ما الذى يتوقعونه فى جيوبهم فى المستقبل القريب أو من يتحكم فيما يخرج منها فى الحاضر الآنى، ورغم يقين المصريين بجدوى المشروعات الكبرى التى تم إنجازها فى العام المنصرم، فإن الغالبية المطلقة من الشعب باتت تنظر إلى ملف الاقتصاد باعتباره من الأمور السيادية، من المسئول عن ماذا ولماذا؟ سؤال يبقى عصياً على الإجابة فى مطلع عام 2018.
وتربعت المرأة المصرية خلال العام 2017 على عرش الريائيزم، فقد بدا تماماً كيف يتعامل الشعب «المتدين بالفطرة» مع هذا الكائن العجيب الغريب المريب، وبعد كل مقدمة تاريخية أدبية إنشائية عن «كيف كرم الدين المرأة» إلخ تنهال على رأس المسكينة تحرشات وأعمال عنف وإجبار على الدفع بها فى ركن الحرام والعورات والممنوعات، وقد تكرم علينا أحد رجال التدين الوسطى الجميل فى الأيام الأخيرة من نهاية العام على أثير إذاعة القرآن الكريم ليحدثنا عن ضرورة الرجوع إلى الآيات القرآنية لنفهم كيفية التعامل مع ما حولنا مثل البيئة والآخر والمرأة.
وما دمنا ذكرنا المرأة فلا بد من الإشارة إلى أن عام 2017 كان عام انكشاف الوجه الثيوقراطى للمجتمع بمؤسساته وقواعده الشعبية، فمن طلب المرجعية الدينية فى دخول الحمام إلى إقامة الأفراح والاحتفالات بكشك الفتوى وأخيراً وليس آخراً إلى استمرار الإدلاء بتصريحات رسمية دينية مثل «تهنئة المسيحيين بأعيادهم بر وإحسان» فى إصرار كامل وتام على أن تحديث الخطاب الدينى مكروه ومرفوض.
رفض التجديد أو نبذه أو حتى طناشه، وهيمنة أفكار عجيبة وبزوغ توجهات أعجب لن تحول دون تمنى أن يكون العام الجديد سعيداً إلى حد ما.. هابى نيو يير.