كانت حادثة كنيسة مارمينا فى حلوان مناسبة لظهور من غابوا كثيراً عن شاشاتنا، كانت مناسبة لظهور (أولاد البلد)، استضافت البرامج المختلفة الحاج صلاح ورفاقه الذين ساهموا فى القبض على الإرهابى وتعطيل الخطر الذى كان يمثله، شعرت بحنين حقيقى وأنا أسمع مداخلات الحاج صلاح فى البرامج المسائية، هذا الخليط من العفوية، والبلاغة، والشجاعة، والتوكل على الله، بساطته فى سرد ما قام به واعتباره أنه لم يقم سوى بالواجب، أدركت أننا منذ كثير جداً لم نر أولاد البلد على الشاشة، انشغلت البرامج بالنخبة وبالخبراء وبالفنانين وبالضيوف المكررين فملت نفسها وملها الناس، العاديون من الناس لا يظهرون على الشاشات إلا إذا كان لديهم مشكلة أو ضائقة أو إذا ارتكبوا جريمة!
أين قصص الناس العادية؟ أين المصرى الصابر، الشجاع، المكافح، المحب لوطنه رغم المتاعب، والمصاعب؟.. حتى أكون منصفاً فإنه من بين تسعة برامج مسائية على القنوات المصرية، لم يكن هناك سوى برنامج واحد كبير يهتم فى تقاريره بتغطية حياة المصريين فى الأحياء الشعبية والمحافظات، لكنه للأسف كان يركز على السلبيات فقط، وأظن القائمين عليه قد أدركوا هذا وبدأوا فى تغييره، باستثناء هذا فإن كل البرامج تدور فى دائرة واحدة لا تتجاوز مائة ضيف على أقصى تقدير، بينما يغيب أبناء البلد عن الشاشات فيهجرونها رداً على هجرها لهم.
ما ينطبق على البرامج ينطبق على الدراما، التى أغرت الكاميرات وتطور وسائط التصوير مخرجيها ليغرقوا فى الجماليات، وعلى ما يبدو فقد استدعى ذلك أن تكون الديكورات أنيقة والأبطال لامعين بشكل مبالغ فيه، انحصرت معظم المسلسلات فى الطبقة المخملية تأثراً بالدراما التركية وغاب أمثال حسن أرابيسك، ومنذ إنتاج هذا المسلسل الرائع فى منتصف التسعينات لم نشهد محاولة ناجحة لتجسيد ابن البلد المصرى الذى لم تلوثه رياح السموم التى هبت على مصر وفتحت لها الأبواب فى وقت من الأوقات، إننى أخشى أن تفسد وسائل الإعلام حياة الحاج صلاح بالإلحاح فى الاستضافة وتكرارها والمبالغة فيها ثم الانصراف عنه بعد فترة، فى حين أن الواقع المصرى ملىء بالعشرات من الحاج صلاح، لكن أهل الإعلام مشغولون بأشياء أخرى.. ولهذا حديث آخر.