ما أكتبه تصحيحاً للخطاب الطائفى المتعصب دافعه المحبة لا الانحياز، فالانحياز مسلك ضرير يأتى على الأخضر واليابس ويضر بمصر وبكل من الأقباط والمسلمين.. والإمعان فى التفرقة التى تغياها اقتراح «إنشاء أكاديمية رياضية للأقباط» يكرس التفرقة ويتضاد مع ما نبتغيه من أخوة وتوحد بين كل أبناء الجماعة الوطنية.
وليس فى التحفظ على هذا الاقتراح الضرير مصادرة على المسيحية فى مصر، فمدارس الأقباط ومدارس الراهبات والأم المقدسة، أو المير دى دييه، والفرنسيسكان وغيرها تملأ مصر، ولم يصادر أحد على «مدارس الأحد» الموجودة الآن بكل كنيسة، و«الكلية الإكليريكية» التى تدرس علم اللاهوت وتخرّج الآباء الكهنة ومدة الدراسة فيها أربع سنوات، ومقرها بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وهناك «كلية اللاهوت» للبروتستانت، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات لدراسة علم اللاهوت من المنظور البروتستانتى، أو الإنجيلى، ولدراسة أسلوب الوعظ أيضاً، ويتخرج فيها القساوسة الإنجيليون تحت إشراف إرساليات من خارج مصر، وقد دُعيت أكثر من مرة لحضور احتفال الكنيسة الإنجيلية السنوى بعيد الميلاد المجيد.
كل هذا وغيره منطقى ومفهوم ولا يلاقى صدّاً أو اعتراضاً من أحد، أما إنشاء «أكاديمية رياضية للأقباط» فإنه لا منطق له ويكرس التفرقة والانقسام، وتعميم هذا النظر يؤدى إلى تقسيم الوطن والمصريين إلى مسلمين وأقباط، وهذه قسمة ضريرة لا حكمة فيها وتؤدى إلى أبلغ الأضرار بمصر وبكل المصريين أقباطاً ومسلمين، وتكرس لتقسيم الوطن، وهذا جنوح وجموح لا يرضاه مصرى!
الأقباط فى رئاسة الوزارات المصرية
مما انزلق إليه الخطاب الدينى الطائفى المتعصب الادعاء بأن مؤسسات الدولة وأجهزتها تتعامل مع الأقباط بشك وريبة وتعتبرهم ملفاً أمنياً، وأن الأندية المصرية تلفظ الأقباط ولا تقبلهم.. وهذا كلام غريب غاية الغرابة، كشأن الادعاء بأن الدولة وضعت سقفاً لما يمكن أن يصل إليه المصرى القبطى فى تدرجه الوظيفى!
وعرضت سلفاً بعض أمثلة لما يتقلده الأقباط من مواقع رفيعة فى القضاء، وترؤسهم لدوائر الجنايات والدوائر المدنية ودوائر محكمة النقض، وتولى المرحوم المستشار ألفونس رياض زكى رئاسة محكمة الاستئناف العالى (1989/1990).. وما شغله ويشغله الأقباط من مواقع مرموقة فى مجلس الدولة، وتولى رئاسة مجلس الدولة المستشار «حنا ناشد حنا» (1999)، والمستشار «نبيل ميرهم مرقس» (2008)، والمستشار «غبريال جاد عبدالملاك» (2012)، والمستشار «فريد نزيه حكيم» (2013/2014). ورأينا ولا نزال نرى أعلاماً من الأقباط تمثلت ببعضهم يملأون الدنيا فى الأدب والفكر والفن والطب والهندسة والعلوم، وفى الصحافة وفى المحاماة وفى غيرها، ورأينا اللواء ثم الفريق عزيز غالى قائداً للجيش الثانى فى حرب أكتوبر 1973.
وهذا الامتداد الذى نرى أعلامه حتى اليوم، موصول بمساهمة الأقباط فى الحياة السياسية التنفيذية والبرلمانية طوال القرن الماضى، وللآن.
لم يتولّ مصطفى كامل أو محمد فريد رئاسة الوزارة المصرية، ولا شغل أحدهما أى موقع وزارى، بينما تولى «بطرس باشا غالى» رئاسة الوزارة المصرية منذ 12 نوفمبر 1908، مع احتفاظه بحقيبة وزارة الخارجية التى كان يتولاها فى وزارة مصطفى باشا فهمى، وتولى يوسف وهبة باشا، القبطى، رئاسة الوزارة المصرية من سنة 1919، وكان قبلها وزيراً للمالية فى وزارات حسين رشدى باشا الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، و«وزيراً للمالية» فى وزارة محمد سعيد باشا الثانية، وحمل هذه الحقائب المتتالية إلى أن تولى رئاسة الوزارة، ومن المعروف أن ابنه «مراد وهبة» المحامى كان نجماً فى الحياة البرلمانية وتولى بدوره عدة حقائب وزارية.
ورأينا من قبلهما بوغوص نوبار باشا يرأس الوزارة المصرية ثلاث مرات، الأولى 1878/1879 والثانية (1884/1888) والثالثة (1894/1895)، وهو أول من تولى رئاسة الوزارة، وأول من شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات.
الأقباط والحقائب الوزارية
رأينا القاضى القبطى يوسف سليمان باشا يتولى وزارة الزراعة فى وزارة محمد توفيق نسيم باشا الأولى (21/5/1920)، ووزيراً للمالية فى وزارته الثانية (1922/1923).
ورأينا صليب سامى باشا «وزيراً للحربية» فى وزارة عبدالفتاح يحيى باشا الأولى (1933)، ولم تمنع ديانته من تولى وزارة الحربية أخطر الوزارات وأمَسّها بالأمن القومى، ورأيناه «وزيراً للتموين» فى وزارة حسن صبرى باشا (1940) و«وزيراً للتجارة والصناعة» فى وزارة حسين باشا الأولى (1940/1941)، و«وزيراً للخارجية»، وهى من وزارات السيادة ذات الخطر والشأن، فى وزارة حسين سرى الثانية سنة 1941.
وشغل منصب «وزير الخارجية» واصف بطرس غالى أفندى، فى وزارة سعد زغلول الأولى 1924، وشغل «وزارة الخارجية» أيضاً فى وزارة مصطفى النحاس الأولى عام 1928، وكان قد حصل على الباشوية، وحمل ذات الحقيبة المهمة فى وزارة مصطفى النحاس الثانية سنة 1930، ثم حملها فى وزارة مصطفى النحاس الثالثة سنة 1936.
وزامل واصف بطرس غالى باشا، فى وزارة سعد زغلول الأولى، «مرقص حنا» (بك ثم باشا) وزيراً للأشغال العمومية، وشغل مرقص حنا باشا عدة مناصب وزارية فى عدة وزارات، فكان «وزيراً للمالية» فى وزارة عدلى يكن باشا الثانية (1926/1927)، و«وزيراً للخارجية» بوزارة عبدالخالق ثروت الثانية (1927/1928).
وشَغَل القانونى الضليع والمحامى الكبير توفيق دوس (بك/ باشا) منصب «وزير الزراعة» بوزارة أحمد زيور الثانية (1925/1926)، وبدأ نجم مكرم عبيد فى البزوغ وهو لا يزال أفندياً، فاختير مكرم عبيد أفندى «وزيراً للمالية» فى وزارة مصطفى النحاس الأولى (1928) وهى الوزارة التى حمل فيها واصف بطرس غالى باشا حقيبة وزارة الخارجية، ثم اختير مكرم عبيد (أفندى) وزيراً للمالية فى وزارة مصطفى النحاس الثانية (1930)، وكان فيها أيضاً واصف بطرس غالى باشا وزيراً للخارجية، وشغل مكرم عبيد (باشا) منصب «وزير المالية» فى وزارة مصطفى النحاس الثالثة (1936)، وكان فيها أيضاً واصف بطرس غالى باشا «وزيراً للخارجية»، فاجتمعت لهما وزارتا المالية والخارجية، وهما من أخطر الوزارات، ثلاث مرات دون أن يثير ذلك أى التباس أو اعتراض، وظل مكرم عبيد باشا «وزيراً للمالية» فى وزارة مصطفى النحاس الخامسة إثر حادث 4 فبراير سنة 1942، وفى هذه الوزارة ذاتها كامل صدقى بك/ باشا المحامى القبطى ونقيب المحامين وزيراً للتجارة والصناعة، ثم وزيراً للمالية فى وزارة مصطفى النحاس السادسة (1942/1944).
ولم يكن القبطيان مكرم عبيد وكامل صدقى أقل حظاً فى نقابة المحامين، فرغم الأغلبية العددية للمحامين المسلمين، انتُخب كلٌّ منهما ومرقس حنا نقيباً للمحامين أكثر من مرة.
ليست هذه إحصائية، إنما مجرد أمثلة امتدت بعد ثورة يوليو 1952، فرأينا فى حمل الحقائب الوزارية جندى بك عبدالملك، وكمال رمزى ستينو الوزير المخضرم ونائب رئيس الوزراء، وفكرى مكرم عبيد نائب رئيس الوزراء وصاحب الموقع المهم فى الحزب الحاكم، ورأينا الدكتور بطرس غالى وزيراً بالخارجية فى عدة حكومات، ورشحته الدولة ووقفت خلفه ليكون أول مصرى وعربى يشغل منصب السكرتير العام للأمم المتحدة، كما رأينا الوزير عدلى عبدالشهيد المحامى، والنابه الدكتور يوسف بطرس غالى وزيراً عدة مرات وقائماً بضبط ميزانية مصر ورسم سياستها المالية، كما رأينا الصديق منير فخرى عبدالنور حاملاً لعدة حقائب وزارية، وملء السمع والبصر، ورأينا ولا نزال نرى فى الوزارة الدكتورة نادية مكرم عبيد، والمساحة العريضة التى تشغلها فى حياتنا العامة والفكرية الدكتورة منى مكرم عبيد، والحديث يطول، وسوف نرى الحضور القبطى فى ثورة 1919، وفى تشكيل الوفد، وفى تشكيل الوفد الرسمى، وفى لجنة دستور 1923، وفى البرلمانات المتعاقبة بمجلسيها.