(1)
في خريف 2014، أحببت الحياة كما أحبتني، أدركت أن كل هذا سيمضي قريبا فتشبعت منه وانتهزت كل الفرص كي أتذكر تلك التفاصيل الآن كما عايشتها منذ سنوات، وكأنها حدثت بالأمس.
كان يغني لي ومن ثم يقول "أنتِ مِتل هوا نيسان، يمكن بيلخبط ويطيرلنا شعراتنا ويبهدلها، بس بتحسي بالدفا مع كل خبطة عم يدفينا بيها النسيم، شي لسعة هيك لا برد ولا حر.. بس حِلوة"، فظللت كل خريف أشعر به حولي "متل الهوا للي مبلش عالخفيف"، حقق لي كثير من أمنياتي، ولكن بقيت واحدة أخيرة أن أشاهد معه فيلم "رسائل البحر" جالسين فجرا على كوبري الجلاء، حيث كان حديثنا المطول المفضل أول مرة، ولكني لم أقاوم رغبتي حين وجدت الفيلم صدفة على إحدى القنوات وشاهدته وحدي وباتت الأمنية أمنية، أذكرها كلما مررت من ذلك المكان، وأذكره فَرِحة كلما غنيت "هاي قصة ماضي كان عنيف".
(2)
في أغلب الأوقات، لا أركب سوى عربة السيدات بالمترو، لا لسبب غير أني اعتدت على ذلك منذ الدراسة، وفي كل يوم أحاول أن أكسر تلك العادة لا أتذكر سوى بعد أن أجدني جالسة بها وأسندت رأسي أستمع لأغنياتي المحببة. وعندما تذكرت يوما قبل أن تسرقني قدمي.. توقفت حيث أنا وركبت بأول عربة، مارست هوايتي المعتادة، النظر في وجوه الناس وملامحهم ومحاولة تخيل ما يشغلهم في تلك اللحظة تحديدا، ومن بين الوجوه لفت انتباهي وجه هادئ رصين ذو شعر أبيض برزته سترته السوداء، رغبت أن أخبره كم هي مريحة ملامحه، لكني انشغلت في محاولة معرفة ما يدور في ذهنه هذه اللحظة، وأعتقد أني أدركت ما يؤرقه.
اعتدل الرجل الخمسيني -الذي أراقبه عن بعد- بجسده الممتلئ في مكانه، لكن شخصا يتحدث في الهاتف بصوت لا يلحظ ويحمل حقيبته العريضة قد زاحمه في جلسته دون قصد، ظل الرجل الخمسيني ينظر للمتحدث بالهاتف لعله يدرك أنه يضايقه دون جدوى، فيحاول أن يتغاضى عن الأمر، إلا أنه مع حركة المترو كانت الحقيبة العريضة على قدم الشاب تنقر ركبته، فبدأ في إمالة رأسه ضيقا والنفخ بعصبية رصينة، حتى قرر أن يزيح الحقيبة برقة وهدوء بعيدا عنه، فاعتذر له الشاب وحاول أن يبعد حقيبته لكن ضيق المكان حال ذلك، فاستمرت الحقيبة في مضايقة العجوز، وأنا أمامه أراقبه، دقائق ونظر الرجل للشاب وحقيبته بغضب لم يلاحظه غيري، ثم نزل محطته.
أردت أن أخبره أن ملامحه هادئة ومريحة ومألوفة، جعلتني أظنه أحد أقاربي وأنا لم أره إلا من ربع ساعة، ولكن أزمته التي تفاقمت مع الحقيبة والكون يسير من حوله دون أن يلاحظ غيري سحلتني معه، وظللت أياما أبحث عنه بين الوجوه في نفس التوقيت، كي أخبره ما بنفسي، لكنه سار مثلنا مع حركة الكون الفسيح.
(3)
منذ عام 2008، ومع بداية إنشائي لحسابي على "فيس بوك" رغبت أن أغير حالتي الاجتماعية إلى “In Relationship”، أمنية طالما وصفتها بـ"العبيطة" بين أصدقائي، وبت أنتظر أن يتحقق ليس لرغبتي في الارتباط أو ارتباط اسم أحدهم بي أو لرومانسية لا أعهدها، ولكن لأنه بمرور السنوات حتى وقتنا هذا زادت رغبتي أن أحقق أمنيتي من باب أني أريدها أن تتحقق لأني تمنيتها فقط، لم أرتبط ارتباطا جادا بشخص يصل للمرحلة التي تجعلني أغير حالتي الاجتماعية معه، ولكن مرة واحدة رغبت في الأمر، مرة واحدة وكانت خيبة أمل كتلميذ ينتظر أن تكرمه معلمته المفضلة بعد إجادته دروسه.. لكنها لم تفعل، لم يطلبها ولم يلمح لها ومع الوقت فقدت شغفي بها معه، لكن ظلت رغبتي أن أفعلها تحقيقا لها وليس حبا فيه، وعندما أوشكت أن أفعلها وجدتني أتراجع وتغاضيت عن الفكرة برمتها، كنت أعتقد أني أستحق الأفضل، ورغبت أن أشعر بسعادة مضاعفة حين أحقق ما تمنيت منذ 9 سنوات، وليست سعادة تحقيق أمنية فقط، بل أردت أن يشاركني أحدهم سعادتي به وسعادتي بتحقيقها، ولا أنسى صديقي الذي بمجرد أن عرف أمنيتي "العبيطة" عرض عليّ أن أغيرها معه كي يحققها لي فقط، وها أنا ذا على وشك أن أحتفل بعشر أعوام لم أحقق فيهم "أمنية عبيطة".
(4)
خلال عامنا الجاري الذي كاد ينتهي، تمنيت أن أشاهد فيلمي المفضل مع من أحببت، أو مع الوحيد الذي أحببت، ورغم مشاهدتي للفيلم عدة مرات وأحفظه عن ظهر قلب، إلا أني رغبته أن يشاركني ما أحب، أنا أعلم الأحداث مسبقا ولكني أود أن أراقب تفاصيله وردود أفعاله على أحداث الفيلم التي رغبت أن أعيشها يوما معه وأتمكن من محيه من ذاكرتي لكني لا أريد رغم استطاعتي، تمنيت أن "أرغب" في أن نسافر معا، وأن أشعر بالأريحية وهو يلتقط صورا لي، وأن أغني معه بصوت عالِ مزعج، ورغم أني أحببته إلا أني لم أرغب في السفر معه ولم أشعر بالأريحية وهو يصورني وشعرت باحتباس صوتي في كل مرة غنيت معه، وانتهت علاقتنا حتى قبل أن أشاهد معه الفيلم الذي أحب، ورغم معرفته بذلك لم يسع لتحقيقها.
*فقرة هذه الأمنية قصيرة.. كعلاقتنا.
(5) و(6)
أمنيتان لم يتحققا بعد، سأحققهما في 2018 ومن ثم أكتب عنهما.