رمضان شهر المراجعة.. هيا بنا نراجع بعض السلوكيات التى انتشرت فى حياتنا فجعلتها كوميديا من نوع خاص جدا. نبدأ بموضوع يتصل بالنجاح والفشل فى الدراسة، بحكم قرب عهدنا بإعلان نتيجة الثانوية العامة، ولنتأمل هذا المشهد: «شخص يبدو حزينا مهموماً، يقترب منه واحد من أصحابه ويسأله: ما لك؟ شايل العالم فوق راسك ليه؟ يجيب: نتيجة الولد فى الثانوية العامة، يسأل صاحبه: صحيح! جاب كام؟ يرد: 85%، رغم أننى صرفت عليه آلاف الجنيهات فى المدرسة والدروس الخصوصية والمراجعات النهائية.. يطيّب صاحبه خاطره قائلاً: خلاص.. ظروفه كده.. يصرخ المهموم: ظروف؟! أى ظروف؟ أنا لى أخ ظروفه على قده، بيأكّل ولاده بالعافية، وعنده ولد فى الثانوية العامة يتعلم فى مدرسة حكومية ولا يأخذ دروسا خصوصية، ومع ذلك جاب 98%.. أنا لما عرفت اتجننت!
عند كلمة «اتجننت» ينتهى المشهد الذى يعلن عن حالة نفسية مرضية خطيرة يعانيها الكثيرون، حين يكيلون كل شىء بالمال، ويظنون أن بـ«الفلوس» وحدها يمكن لكفتهم وكفة أبنائهم أن «تطب»! ومن عجب أن هذا المهموم الذى جُن جنونه فى آخر المشهد حزين أشد الحزن لأن ابن أخيه تفوق على ابنه فى الثانوية العامة، رغم أن أباه لا يجد ما ينفقه على ابنه فى التعليم ولا غيره، ومع ذلك «طلع الولد فالح». إنه يتحدث عن أخيه وابنه وكأنهما عدواه أو منافساه ومنافسا أبنائه فى الحياة، ولو كان هذا «المهموم» شخصاً سوياً لسعد لابن أخيه، أو أى شخص آخر يعيش عيشته حين يتفوق ويحقق النجاح رغم قلة الحيلة وشح الرزق، ثم كيف ترك هذا الأخ العجيب أخاه وأبناء أخيه يشعرون بالـ«الحوجة» دون أن يمد لهم يد المساعدة ويحاول أن يعينه على هموم الدنيا ليخصم الله من إحساسه بـ«الهم» فى الحياة؟!
هنالك خلل من نوع ما أصاب علاقات الرحم بين الكثيرين. وهو خلل أوجدته حالة الفساد التى سادت المجتمع المصرى عبر عقود طويلة مضت وما زالت تعمل بسكينها فيه. ويتمثل جوهر هذه الحالة فى البحث عن المال من أى سبيل ومن أى طريق وبأية طريقة. وقد ربط القرآن الكريم ربطاً عبقرياً بين شيوع الفساد وسوء العلاقة بين الإخوة الذين خرجوا من رحم واحد، وكان ذلك فى الآية الكريمة التى تقول «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم». الرغبة فى الاستحواذ وعدم القناعة بما فى اليد حوَّلا حياة «أخينا» هذا إلى كرب، حين فقد الإحساس بغيره فانضم إلى نادى «الناسين أنفسهم»، هؤلاء الذين يصرخون بدعاء: يا رب ابنى ينجح.. والباقى لأ!