إذا كنت تبحث عن سر الحياة.. فتش عن "الأم"
إذا كنت تبحث عن مفتاح الحياة.. فتش عن "الأم"
إذا كنت تبحث عن الظهر – السند – الدليل – الفكرة – الدعوة – الروح – الوجود... إنها "الأم".
قانون الطبيعة الذى خلقه الله لتدور فى فلكه كل الأحداث وتبدأ منه الحياة وتنتهى عنده أيضاً ليضعك القدر أمام حقيقة واحدة فقط غير قابلة للنقاش أن "الأم" هى محور الحياة الرئيسى الذى إذا اختل انهارت الحياة تماماً.
ومن الحقيقة للخيال ومن الواقع للفن الذى هو فى الأساس مرآته يصبح دور "الأم" فى أى عمل فنى هو العصب وهو من أهم الأدوار على مستوى التاريخ الفنى والذى أبدعت فيه علامات فنية لن يمحوها التاريخ لتظل رمزاً لصورة "الأم" على مدار الأجيال مثل "أمينة رزق – فردوس محمد – كريمة مختار" وغيرهن من الفنانات اللاتى مع تقدم العمر انتقلن لمرحلة "الأم" وعلى رأس هؤلاء النجمة الراحلة "هدى سلطان" التى أبدعت فى هذه المنطقة تماماً بشكل و روح مختلفين لتتربع على عرش الأمومة الفنية فى سنواتها الأخيرة حتى رحيلها الذى ترك فراغاً كبيراً فى هذه المنطقة التى صنعتها بشخصيتها ولم يستطع أحد سده!
رغم محاولات كثيرة لتسكين دور "الأم" والاجتهاد الحقيقى فى ذلك إلا أن هذا المكان ظل شاغراً حائراً بين الفنانات والنجمات حتى جاءت من بعيد منطلقة بقوة ومن خارج كل التوقعات الفنانة "نادية رشاد" بـ "الحاجة صفية" فى مسلسل "الطوفان" تصول وتجول بأداء سلس بسيط يحمل بداخله خبرة السنين جعل منها "عامود خرسانى" للمسلسل يستند عليه مجموعة من النجوم كل منهم له ثقله فى منطقته فكانت هى كـ "قائد الملعب" الذى يضبط الأداء ويوزع التمريرات الساحرة لإحراز الأهداف الواحد تلو الآخر بمهارة فائقة دون ضجيج أو "مقاوحة" مع الشخصية فتتحول معها "الحاجة صفية" من مجرد شخصية تؤديها إلى أيقونة للعمل ككل.
لا شك أن أداء "نادية رشاد" أكسب تعاطفاً ووداً ومحبة كبيرة لـ "الحاجة صفية" وهو ما كان له التأثير الأكبر والأقوى لتفاعل الجمهور مع مقتلها من أبنائها فمع جلل الحدث وقسوته كحدث إلا أن شخص "الحاجة صفية" ضاعف من هذه القسوة وكذلك رد فعل المشاهدين ليصبح مقتل "الحاجة صفية" وتوابعه الخبر الأول والرئيسى على "السوشيال ميديا" ربما تخطى و"غطى" على الأخبار السياسية والرياضية حتى إنتهاء عرض المسلسل!
الحقيقة أن حالة الـ "تنجيم" لـ "الحاجة صفية" ساهمت فيها عدة عوامل أولها القصة المكتوبة بحرفية عالية لواحد من أهم الكتاب "بشير الديك" والمعالجة المحترمة التى تم تقديم المسلسل بها يتسلمها مخرج له ثقله ووزنه وخبرته وأحد "عتاولة" جيل الإخراج من الكبار "خيرى بشارة" وعلى رأس كل هؤلاء تأتى الشركة المنتجة التى قدمت مسلسلاً "زى الكتاب ما بيقول" فى الجودة من كل التفاصيل وأتت بـ "نادية رشاد" من غيبة طويلة وابتعاد عن الصورة تماماً لتضعها فى صدارة "الطوفان" وتصبح "عراب" العمل فى مفاجأة غير متوقعة وبالرغم من المعالجة السينمائية لنفس "الطوفان" وتقديم العملاقة الراحلة "أمينة رزق" لنفس الدور إلا أن ملامح الشخصية التى رسمتها "نادية رشاد" لنفسها تخطى نجاحها حدود المسلسل ليضعها متصدرة منفردة لشخصية "الأم" فنياً فتصبح جديرة وباقتدار على سد "ثغرة" الأمومة فى الأعمال الفنية بحالة وروح يخصاها لتصنع منطقة جديدة لـ "الأم" فنياً تقترب من منطقة الفراغ التى تركتها الراحلة "هدى سلطان" وهى القماشة الثرية الجاهزة لتنسج منها مستقبلاً وتؤكد وجودها بقوة فى أعمال فنية جديدة بالفعل تحتاجها تماماً.
الجماهيرية التى حققتها "الحاجة صفية" جاءت من زواية أخرى بسبب تدنى أدوار "الأم" فى الأعمال الفنية فى السنوات الأخيرة فمنذ فترة ليست بالقليلة أصبحت معظم الأعمال تستهدف "الأم" بتقديمها إما منحرفة أو بلهاء أو خارج المسئولية بل اخترع لها البعض مؤخراً مساحة جديدة "مهزقة" وهو ما أصبح يساهم بشكل مباشر سلبياً فى تغيير طبيعة المجتمع ونظرته لـ "الأم" وتدمير قيمه وصنع صورة كاملة من مجموعة من النماذج هى فى الحقيقة مجرد فئة من فئات أى مجتمع لتصبح فنياً شخصية "الأم" ضالة لا تجد طريقها الحقيقى ومكانها الذى تستحقه ليضل معها مجتمع بأكمله!
العودة الحميدة للفنانة "نادية رشاد" بـ "الحاجة صفية" بشرة خير لعودة "الأم المصرية الأصيلة" فى أعمال فنية تدخل حياة ملايين الأسر من المشاهدين فهذا العبق الذى افتقدناه منذ فترة طويلة أصبحنا نحتاجه وبشدة بعدما أضاعت "ملايين التسويق" هيبة وقيمة "الأم" فى الأعمال الفنية التى أساءت لصورة السيدة المصرية بشكل عام و"الأم" المصرية بشكل خاص بل تحولت مؤخراً إلى "مقاول هدد" لمجتمع بأكمله!
"الحاجة صفية" .......
ليست فقط عودة لفنانة صاحبة تاريخ فنى وشخصى محترم ... لكنها فنياً عودة "الأم" المصرية .....
عودة "الأم الضالة".