أن تراهن على ضعف ذاكرة المواطنين فبالتأكيد ستكون أنت «الخاسر الأوحد»، خاصة إذا كنت من بين المسئولين أو الوزراء الذين يغيرون كلامهم كل 6 ساعات مثل «الأنتى بيوتك» إذا لم يكن كل «ربع ساعة» مثل دقات ساعة جامعة القاهرة..!
أما إذا كنت من بين الـ104 ملايين مواطن فعليك أن تبحث عن «ديلر موثوق» به، ليس باعتبار أنك ستبدأ طريق «الإدمان» -لا قدر الله- بل بحثاً عن «سيجارة بانجو» واحدة يومياً حتى تستطيع أن تواكب تأكيدات الوزراء والمسئولين التى يطلقونها ليتراجعوا عنها قبل ساعات، إن لم تكن دقائق، ولا أجد لهذه الظاهرة أى تفسير منطقى سوى اثنين: إما أنهم «أدمنوا» ترديد هذه التصريحات ليتراجعوا عنها قبل أقل من 24 ساعة، أو أنهم قد اكتشفوا موهبتهم التى تنافس «كوميديانات» سينما «الفارس» أى أصحاب مدرسة «الكوميديا للكوميديا» التى لا هدف لها سوى «إضحاك الجمهور»..!
ربما يكون كل من الدكتورة هالة حلمى السعيد يونس، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، والدكتور أحمد عماد الدين راضى وزير الصحة، آخر هؤلاء الوزراء الذين لم يصبروا على «تأكيداتهم» أكثر من 24 ساعة فقط.
ولنبدأ بالدكتورة هالة حلمى السعيد يونس -باعتبار «ladies first»- إذ قالت فى كلمتها أمام «مجلس النواب» يوم الثلاثاء 26 ديسمبر بالحرف الواحد: «قضية التعيينات المفروض تتم من خلال مسابقة مركزية، وسيتولى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة إعداد الأسئلة ويحتفظ بها فيما يسمى بـ(بنك الأسئلة الإلكترونى) ولا يوجد تدخل بشرى، وهناك مناطق فيها عجز ومناطق فيها فائض، ونسعى للاستفادة من المناطق التى فيها فائض لصالح المناطق التى فيها عجز.. وهناك أماكن تتطلب تخصصات وفيها عجز سيتم فتح التعيينات فيها، إذ إن الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة سيجرى خلال شهر يناير دراسة وبمجرد أن ينتهى الجهاز منها سيتم عرضها على اللجنة العليا للإصلاح الإدارى وسيتم فتح باب التعيين فى الأماكن التى فيها عجز على أن يتم ذلك خلال نهاية شهر يناير».
24 ساعة فقط مرت على كلمة الدكتورة هالة حلمى السعيد يونس تحت قبة البرلمان لتعود صباح اليوم التالى الأربعاء 27 ديسمبر لتؤكد فى كلمتها على هامش حفل توقيع «بروتوكول رواد 2030» الذى أقيم بجامعة القاهرة وأيضاً بالحرف الواحد: «إن من الأهداف الأساسية للمشروع التى تسعى الحكومة بدعم من القيادة السياسية لتحقيقها فى شتى برامج الإصلاح هى تحفيز الشباب المبتكر على خلق فرص عمل لأنفسهم بدلاً من انتظار دورهم فى طابور العمالة.. فلا توجد تعيينات بالحكومة فى وقت قريب، وبناء عليه لا بد من مساعدة الشباب على خلق وظيفة لهم ولمن حولهم بدلاً من البحث عنها وهذا ما يهدف إليه برنامج رواد 2030..»!!
ومن جانبه حاول الدكتور أحمد عماد الدين راضى، وزير الصحة والسكان أن يثبت أن «الرجال قوامون على النساء» حتى فى التراجع عن تأكيداتهم، إذ قال فى تصريحات صحفية على هامش جولته فى بورسعيد يوم الاثنين 25 ديسمبر: «إن طبيب الأسرة الذى سيعمل فى وحدات الرعاية الصحية الأولية فى منظومة التأمين الصحى الاجتماعى الجديد سيكون راتبه 30 ألف جنيه بدلاً من 1300 جنيه حالياً، وأن هذا العائد سيجعل الطبيب (راضياً كل الرضا)، ومن ثم لن يسمح له بالعمل الخاص، ولكن فى الوحدة فقط، إذ إن الطبيب لما بيشتغل فى بلد عربى بياخد من 30 إلى 40 ألف جنيه.. وهنديها له فى التأمين الصحى».
ولأنه وزير مسئول يدرك معنى الالتزام بالكلمة التى ينطق بها، فقد انتظر الدكتور أحمد عماد الدين راضى 48 ساعة وليس فقط 24 ساعة، ليقول فى تصريحات صحفية يوم الأربعاء 27 ديسمبر على هامش احتفالية تكريم أعضاء لجنة صياغة قانون التأمين الصحى: «إن الحديث عن حصول الطبيب فى منظومة التأمين الصحى الشامل على مبلغ 30 ألف جنيه أمر خيالى، ولكن أعضاء الفريق الطبى سيحصلون على أجر مُرضٍ متدرج يجعلهم فى غير احتياج للعمل فى القطاع الخاص»..!
ويبدو أن مشاغل وزير الصحة ومسئولياته الجسام عن صحة نحو 104 ملايين مواطن قد أنسته تأكيداته السابقة عن أجر الطبيب بعد نحو 48 ساعة فقط..!
ربما كان طارق حسن نورالدين عامر، محافظ البنك المركزى، أول المسئولين الذين اكتشفوا موهبتهم «الكوميدية».. إذ بعيداً عن «أسراره العائلية» التى كشف جزءاً منها فى أحد مؤتمراته الصحفية عندما قال: «الشعب المصرى كله مبسوط اليوم من إجراءات تحرير سعر الصرف، ده حتى مراتى النهارده مبسوطة عشان الوديعة بتاعتها بتعمل فلوس»، فإنه فاجأ مشاهدى التليفزيون عندما قال فى أحد البرامج الليلية: «إن حديثى عن الدولار بـ4 جنيهات كان نكتة، والشعب المصرى بيحب النكتة، لكن المرة دى بيحبوا ياخدوا اللى على كيفهم ويحولوه لـ.. ما يصحش».. ولا أدرى ماذا كان يقصد السيد طارق حسن نورالدين عامر محاااافظ البنك المركزى بكلمة «ما يصحش» التى وردت فى حديثه التليفزيونى؟! فهل كان يقصد أنه «ما يصحش» أن يصدقه المواطنون أم «ما يصحش» أنه لا يدرك خطورة موقعه وبالتالى ما ينطق به وتأثيره السلبى على الاقتصاد، إذ عندما يتحدث محافظ البنك المركزى فإنه يتحدث عن مستقبل اقتصاد دولة ولا يرتب «أدوار قبض جمعية مع جيرانه» أو ربما أراد أن يضمن موقعاً بين «نجوم المونولوجيست» إذا ما ترك موقعه فى البنك المركزى فى يوم من الأيام..!
ألم أقل من البداية إن «سيجارة بانجو» هى الحل الناجع لأى مواطن كى يستوعب تراجع بعض المسئولين عما ينطقون به.. يا رب ارحمنا..!