د. محمد كمال: «القوة الذكية» نقطة ارتكاز فى دور مصر السياسى.. ونمتلك مؤسسة دبلوماسية عريقة
الدكتور محمد كمال
أعلن الدكتور محمد كمال، مدير مركز المناطق الدولية بجامعة القاهرة، لـ«الوطن»، أن «القوة الذكية» لمصر التى تجمع خليطاً من القوة الناعمة ممثلة فى الدور الثقافى والإعلامى والدبلوماسى والتعليمى، والقوة الخشنة التى تتمثل فى النفوذ العسكرى، ستكون هى نقطة الارتكاز والفاعلية فى الدور السياسى للقاهرة داخل المنطقة خلال العام الحالى. وتوقع «كمال» فى حوار لـ«الوطن» تراجع حاد فى الدور الأمريكى تحت إدارة «ترامب» وصعود قوى للصين وروسيا وفرنسا، مؤكداً أن إعلان وثيقة للأمن القومى المصرى سيسهم فى تفهم ومساندة النخبة والرأى العام لموقف الدولة التى لا يمكن أن تتخلى عن الخيار العسكرى كأحد أدوات السياسة الخارجية سواء فى الهجوم أو الردع، وأضاف أن مصر تملك مؤسسة دبلوماسية عريقة وجيشاً قوياً وخبرات فنية يمكن أن تسهم فى عمليات إعادة البناء بالمنطقة وقدرات لا نهائية من القوة الناعمة تعزز الدور المصرى.. وإلى نص الحوار:
ما انطباعكم عن حالة العالم خلال عام 2018 ومدى توفيرها فرصاً جديدة للسياسة الخارجية المصرية؟
- العالم سيستمر فى التحول نحو ترسيخ التعددية القطبية، مع ازدياد نفوذ الصين بقيادة شى جين بينج، فى إطار مبادرة الحزام والطريق التى تستهدف ربط الصين بالعديد من دول العالم، وفى المقابل سيستمر تراجع الدور الدولى للولايات المتحدة فى ظل إدارة ترامب الذى يرفع شعار أمريكا أولاً، وسيشهد العالم تصاعداً فى الدور الدولى لروسيا بقيادة «بوتين» الذى من المتوقع إعادة انتخابه هذا العام، وكذلك سنرى دوراً دولياً متزايداً لفرنسا بقيادة «ماكرون». وستستمر القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب وكوريا الشمالية وإيران تحتل مقدمة اهتمام العالم، وكذلك الخلافات المتعلقة بالتجارة الدولية خاصة بين الولايات المتحدة والصين.
مدير مركز المناطق الدولية بجامعة القاهرة لـ«الوطن»: تراجع حاد فى الدور الأمريكى تحت إدارة «ترامب»
كيف ترى فرص زيادة الدور المصرى فى الإقليم خلال العام الحالى؟
- هناك فرصة كبيرة لزيادة الدور المصرى فى المنطقة خلال العام الجديد، خاصة فى الملفين الليبى والسورى، كما أن الدور المصرى سوف يزداد بالتأكيد فى ملف المصالحة الفلسطينية وعملية السلام الفلسطينى الإسرائيلى مع توقع إعلان إدارة ترامب مبادرتها للسلام هذا العام، ومع استمرار خطر الإرهاب سوف يستمر الدور المصرى فى أى استراتيجية إقليمية لمواجهته، كما أن هدوء وتوازن السياسة الخارجية المصرية فى التعامل مع النزاعات الإقليمية يجعلها دائماً مرشحة للعب دور الوسيط النزيه فى هذه النزاعات، والملجأ الأخير لفرملة الاندفاع نحو الهاوية.
ما أبرز الملفات المؤثرة على المصالح الوطنية المصرية التى يمكن أن تتحرك فيها مصر خلال الفترة المقبلة؟
- أولاً ملف نهر النيل، وقد نحتاج هنا مراجعة السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان فى ضوء مواقفها الأخيرة من مصر، ويلى ذلك الملف الليبى ومن المهم هنا استمرار الجهد القيادى المصرى لتحقيق الاستقرار فى هذه الدولة المهمة والقضاء على جيوب الإرهاب بها، وتأمين الحدود معها، كما أن الملف الفلسطينى سيحتاج إلى اهتمام أكبر فى المرحلة المقبلة من خلال التمسك بحل الدولتين وليس حل الدولة الواحدة الذى بدأ يردده البعض لأنه حل خيالى ويعود بنا لنقطة الصفر فى جهود التسوية، ومن الممكن أن يزداد الدور المصرى فى الملف السورى نتيجة للعلاقة الطيبة بين مصر روسيا والدولة السورية من ناحية ودول الخليج من ناحية أخرى، وهى مزايا لا تتوفر لدى أى وسيط آخر فى الأزمة السورية، كما يمكن لمصر أيضاً أن تستثمر نجاحها فى التعامل مع الأزمة اللبنانية الأخيرة فى الحفاظ على دور يحقق الاستقرار فى هذا البلد، وأخيراً هناك ملف شرق المتوسط الذى أصبح التعاون فى إطاره مع اليونان وقبرص يمثل أولوية لمصر لما تحتويه هذه المنطقة من ثروة هائلة من الغاز الطبيعى.
إعلان وثيقة للأمن القومى المصرى سيسهم فى تفهم ومساندة النخبة والرأى العام لموقف الدولة.. ولن نتخلى عن الخيار العسكرى كأحد أدوات السياسة الخارجية.. ومصر تملك مؤسسة دبلوماسية عريقة وجيشاً قوياً وخبرات فنية يمكن أن تسهم فى عمليات إعادة البناء بالمنطقة.. وقدرات لا نهائية من القوة الناعمة تعزز الدور المصرى
كيف ترى الأدوات اللازمة لتعزيز الحضور المصرى فى الأزمات الإقليمية الراهنة؟
- مصر تملك مؤسسة دبلوماسية عريقة هى الأقدم والأكثر خبرة بالمنطقة، وتملك أقوى الجيوش العربية وهى الأكثر مشاركة فى عمليات حفظ السلام الدولى، بالإضافة لخبرات فنية فى مجالات مختلفة يمكن أن تسهم فى عمليات إعادة البناء بالمنطقة، وقدرات لا نهائية من القوة الناعمة، وكلها أدوات يمكن استخدامها فى تعزيز الدور المصرى.
ماذا يعنى تفعيل دبلوماسية المسار الثانى فى إدارة معضلات السياسة الخارجية وتعزيز تأثير الدبلوماسية المصرية؟
- دبلوماسية المسار الثانى مهمة فى ملفات مثل العلاقة مع دول حوض النيل وعدد من دول الجوار الإقليمى، والمقصود هنا إجراء حوارات غير رسمية مع ممثلين لمراكز الأبحاث أو المجتمع المدنى للحد من هوة الخلاف، والتمهيد للتدخل الرسمى بعد ذلك من خلال دبلوماسية المسار الأول.
لماذا اقترحتم إعداد استراتيجية مصرية معلنة للأمن القومى؟
- وجود استراتيجية معلنة للأمن القومى يساعد فى معرفة العالم لرؤية مصر لقضايا الأمن القومى المختلفة بأبعادها الداخلية والخارجية، كما أن مشاركة مؤسسات الدولة المختلفة فى صياغة هذه الاستراتيجية تساعد على وحدة الفكر وتجانس الحركة فى تعامل هذه المؤسسات مع أزمات الأمن القومى، وبالإضافة إلى ذلك فإن وجود هذه الوثيقة المعلنة يسهم فى تفهم ومساندة النخبة والرأى العام المصرى لموقف الدولة من قضايا الأمن القومى، وكلها أمور مفيدة.
كثر الحديث عن دور القوى الناعمة فى تعزيز الحضور المصرى.. فكيف يتم تفعيل أدواتها؟ وهل الدور المصرى يحتاج إلى مزيد من القوى الخشنة أو توسيع الحضور العسكرى كما تفعل العديد من القوى الإقليمية المؤثرة فى المنطقة؟
- فاعلية الدور المصرى ترتبط باستخدام «القوة الذكية» وهى خليط من القوة الخشنة والناعمة، فالخشنة تتمثل فى القوة العسكرية، والناعمة تتمثل فى الحضور الدبلوماسى والنفوذ الثقافى والإعلامى والتعليمى. ومصر تملك إمكانيات ضخمة فى هذه المصادر المختلفة للقوة، والحديث عن دور القوة الناعمة لا يعنى إلغاء دور القوة الخشنة، ولا يوجد دولة تتخلى عن الخيار العسكرى كأحد أدوات سياستها الخارجية سواء فى الهجوم أو الردع، ولكنه يبقى الخيار الأخير بعد استخدام الدبلوماسية ومحاولات الإقناع بواسطة القوة الناعمة.