في بلاد الرافدين البعيدة ، منذ عصور مديدة، كانت هناك قصه عشق أكيده، العاشق هو الملك نبوخذ نصر و المعشوقة هي ايميديا.
بطلنا امتزجت حياته بأساطير الإغريق و الآشوريين ، و ذكرته الكتب المقدسه ، فتارة هو ابن ملك من سلاله الكلدانيين، و تارة اخرى ، هو طفل ، مجهول النسب ألقي في غابة مهجوره رضيعا، فتلقفته الوحوش ترعاه، حتى ان لبؤة أرضعته فكبر بخصال الأسود و قوتها و جبروتها ، مترعرعا كشاب قوي يافع .
التحق بالجيش ، و برزت مهاراته القتاليه الفذه و الفائقة ، لمع نجم الفتى و قامت ثورات عدة ، قاد هو احداها، و بهذا تقلد الحكم في بابل و اصبح الملك الفذ و الأقوى.
ذات يوم ، رأى الملك ، رؤيا لم يفهمها و عجز السحرة و الكهنة عن تفسيرها، و فسرها له النبي دانيال ، بان سيطه و سيطرته و مجدة سوف تبلغ عنان السماء و سوف يسيطر على البلاد و العباد و الممالك و سوف يصل أورشليم و يسبي يهودها ، و بالفعل تحققت الرؤيا و صدق تفسير النبي دانيال و اصبح الملك يكبر يوما بيوم و يقوى و ينتصر و اخذ ملكه يستقر .
لكن هذا الأسد المغوار ، كان له قلب بالحب يفور كالتنور، لقد تزوج اميديا من بلاد فارس ، التي حار بها الرواه ، أهي ابنه احد القادة الكبار، ام هي فتاة ،من عامة الشعب !! لكنها بكل الأحوال خلبت لب مليكها، نبوخذ نصر .
تربت و كبرت اميديا الجميلة بين تلال و هضاب و جبال فارس الخضراء ، حيث الحدائق و الجنان و الطبيعه الخلابه، فارتبطت روحها بعذوبة المكان و سهوله الآسرة ، و نسيمه العليل و بانتقالها لبابل ، فقدت كل هذا السحر، ذبلت روحها ، فالأرض هناك مسطحه منبسطة ، تخلو من تلك المروج الفارسية الفتيه . تحزن الملكه الصغيره و يخيم على قلبها ، سحابات الافتقاد و الحنين للوطن .
يلمح مليكها هذا البؤس في عينيها ،فيتهادى ذاك الأسد ، ربيب الطبيعه و الملك، ذو السطوة المريعه و ينصت بقلبه قبل أذنيه لشكوى حبيبته و آلامها ، يقترب من أذنيها هامسا : "اتفتقدين مروجك الخضراء و تلالك البديعة. ؟! لا عليك، الان أغير لك العالم و أطوع لك الطبيعه".
تسرى أوامر الملك، ذو الفتوحات و الانتصارات في جميع أنحاء مملكته ، ان اجمعوا العمال و الصناع و المهندسين و العلماء و الذي كان قد جمع معظمهم من جميع ألانحاء و الارجاء ، وضع حلمه المجنون أمامهم و أمرهم بالتنفيذ، و قد كان ذاك الحلم (حدائق بابل المعلقة )
اختار مرتفعا ضخما و قرر زراعته لأجل عيون الحبيبة ، إذ بلغ ارتفاع تلك الحدائق ثلاثمائة و ثمانية و عشرين قدماً ، بما يعادل المائة متر - ( وهو ما يوازي ثلاثة ارباع ارتفاع الهرم الأكبر) ، وأحاطها بسور قوي محصن بسمك سبعة أمتار ، و أوصل "التراسات" بعضها ببعض بواسطة سلالم رخامية يساندها صفوف من الأقواس الرخامية أيضاً ، كما صنع أحواضا حجرية للزهور مبطنة بمعدن الرصاص وضعت على جانبي كل تراس وملئت بأشكال عديدة من الأشجار والزهور ونباتات الزينة المختلفة ، وكان التراس العلوي يحتوي على فسقيات تمد بالماء باقي التراسات وحدائقها، ، و كان قد أتى بهذا الماء من نهر الفرات بواسطة مضخات تدار بسواعد آلاف العمال !!! و استنتج العلماء القدامى احتمالية استخدام لولب يشبه اللولب الذي اخترعه ارخميدس لاحقاً لرى مدرجات تلك الحدائق المعلقه و كانت عمليه الري تتطلب ثمانيه آلاف جالون من الماء يومياً ، يا له من عاشق جبار ذاك النبوخذ نصر !! اي قلب محب معطاء يملك ؟!؟!!!
و تم البناء المعجزة و رأي الفرحة و الرضا و السرور و الحبور في عيني الملكة الزوجة و المعشوقة و أخذ يكمل البنيان في ارجاء المملكه ، فدعم بابل بسورين احدهما داخلي و الاخر خارجي وكان عرضهما كبيرا حتى ان هيرودوت قال بان بابل هي المدينة الوحيدة التي كانت تمشي فيها العربات على سورها , و بني لبابل أيضاً 8 بوابات كانت اكبرها بوابة عشتار بأسم الالهة عشتار ، كما بنى المعابد وبنى قصر كبير لنفسه و لمحبوبته ، أسرف فيه و أغدق في كل شئ ،،حتى عشقة و هيامه بمحبوبته ، و بذلك اعتبرت بابل في زمن (نبوخذ نصر ) أجمل مدن العالم في ذلك الوقت ونالت شهرة عظيمة بين الممالك و الامم .
اصبح وطن ايميديا الجديد ، هو عيني عاشقها فعندما سكنت قصورة و حدائقه المعلقه ، قد سكنت قلبه المعلق بها ، سحره حبها فبهرها و سحرها بعطاءه و حنانه و اشفاقه ، ذاب قلب العاشق الذي أباد شعوبا و أسر و سبى ممالك و غزا بلدانا ، زأر ذاك الأسد من اعلى حدائقه المعلقه هامسا في الآفاق مسجلا عبر أثير الزمن قصة عشق جعلت من الجبال مروجا و من القفار سهولا و حدائقا خلابه ، ان للعشق قوة جبارة ، يكمن سرها في القوة و الرقه، الشئ و ضده ، هكذا خلد في التاريخ اسم نبوخذ نصر العاشق المنتصر باني الحضارة و صانع الأمجاد .