فى كلمة له خلال الاجتماع المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية، هاجم الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» مواقف بعض الدول العربية، وطلب منها عدم التدخل فى الشأن الفلسطينى، مشيراً إلى ضغوط من بعضها، وخاطبها قائلاً: «حلّوا عنا»، مؤكداً أن هناك مسئولاً حاول إقناعه 3 مرات بقبول قرار ترامب حول القدس مقابل المال إلا أنه رفض. عبارة «حلّوا عنا» تؤكد حجم الضغوط التى يتعرض لها «عباس»، وهى ضغوط تعكس حالة الهوس التى انتابت بعض حكام الخليج من أجل تمرير ما يعرف بـ«صفقة القرن». وأقول حكام الخليج بسبب «حديث المال»، الذى غمز «عباس» إلى أن مسئولاً عرضه عليه مقابل الإذعان لاعتراف «ترامب» بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ورضاء الفلسطينيين بإقامة عاصمة لدولتهم المقترحة بمدينة «أبوديس».
لا يملك «الخلايجة» من أدوات الضغط السياسى سوى المال. وقد تكون هذه الأداة ناجحة فى بعض الأحوال، لأنها ليست ناجزة فى كل المواقف، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمسألة لا يملك الرئيس الفلسطينى ولا غيره إملاءها على شعبه، لكن يبقى أن «العبارة العصبية» التى قفزت على لسان «عباس»، أقصد عبارة «حلّوا عنا» تعكس أن أدوات الضغط يمكن أن تنتقل من دائرة الترغيب بالمال إلى الترهيب بما عداها، وما عداها يتحدد فى الإطاحة بـ«عباس»، وإحلال رئيس جديد للسلطة الفلسطينية محله يظن صناع القرار بالمنطقة أنه سيكون أطوع فى قبول ما يرفضه «عباس». وهو ظن أقرب إلى الوهم، لأن المسألة ليست فى شخص أو اسم رئيس السلطة الفلسطينية، بل فى الشعب الفلسطينى الذى يرفض القرار «الترامبى» رفضاً قاطعاً.
من المعلوم أن نائب الرئيس الأمريكى «مايك بنس» سوف يبدأ زيارة إلى عدد من عواصم الشرق الأوسط يوم 20 يناير الحالى. وهى الزيارة التى كان من المقرر لها إتمامها أواخر 2017، لكنها تأجلت عقب حالة الغضب التى سادت الأروقة الرسمية والشعبية العربية عقب القرار الأمريكى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ذلك الغضب الذى وجد تعبيراً له فى رفض كل من شيخ الأزهر وبابا الكنيسة استقبال «بنس»، وكان هذا الرفض سبباً مباشراً من أسباب تأجيل الزيارة، يضاف إليه بالطبع رفض السلطة الفلسطينية استقباله. «بنس» سيزور كلاً من مصر والأردن وإسرائيل. وليس من المستبعد أن يكون أحد الأهداف المرتجاة من وراء الزيارة تطوير أسلوب الضغط على عباس أبومازن، لينتقل من دائرة الإغراء بالمال إلى التهديد بترك السلطة. فى تقديرى أن نائب «ترامب» لن يفلح فى تعديل الموقف ليدفع فى اتجاه استخدام أدوات أخرى -غير المال- فى الضغط على السلطة الفلسطينية للجلوس على طاولة المفاوضات، والأغلب أن «بنس» سيعود كما ذهب. ذلك الأمريكى المتصهين الذى سيبدأ زيارته بالقاهرة، ثم عمان، ليطير بعدها إلى تل أبيب، ليلقى خطاباً فى الكنيست الإسرائيلى -ضمن برنامج الزيارة- ثم يذهب إلى بلدة القدس القديمة ليقف أمام حائط البراق متعبداً لإله إسرائيل. عبارة «حلّوا عنا»، التى قالها «عباس» فى مواجهة الضاغطين عليه بالمال يصح أن نقولها اليوم للأخ «بنس»، والوفد المرافق له: «حلّوا عنا»!.