فجأة وسط زحام الحياة وضغوطها وضوضائها اكتشفت أن أشيائى الصغيرة تغيرت وازدادت كثيراً وأصبحت فى حاجة إلى مكان جديد أحتفظ بها داخله، وبعد أن كنت أضمها فى تلك المسافة الصغيرة بين قلبى وأضلعى دون أى إحساس بثقل أو ألم أصبحت عاجزة عن اصطحابها معى ووجدت لزاماً علىّ أن أبحث لها عن مكان آمن لا تصل إليه أى يد فضولية أو عابثة أو آثمة، خاصة بعد أن اضطررت للاستسلام لذلك الفاضح لكل ما نخبئه داخلنا (جهاز الأشعة) تنفيذاً لنصيحة طبية، أقلقنى أن يشاهد الجميع تلك الأشياء التى ظللت عمرى كله أجمع فيها وأنتقيها وأعود إليها كلما احتجت لاستراحة هادئة وسط عالم الموسيقى والأحلام بعيداً عن الواقع الذى يفتك بجميع مشاعرنا ويكاد يقضى علينا تماماً، كنت أعود إليها كلما قست علىّ الأقدار، فقد كانت فى متناول يدى ومشاعرى ودقات قلبى وجرعات الهواء التى تدخل رئتى لترَيح الآلام، لذلك كان من المؤلم أن أخرج أشيائى الصغيرة ومن بينها أغلى ما أحتفظ به وسطها، التى عشت أستمتع بها فى كل مناحى حياتى (الرومانسية)، فقد احتفظت بها ومعها جميع صورها وملامحها والأمنيات التى اصطبغت بلونها وعاشت بين وجدانى منذ طفولتى وإلى الآن، وكان الألم العنيف هو ذلك الذى أحسست به عندما سمعت مقدم أحد برامج التوك شو يتحدث عن ضياع الرومانسية من حياتنا، وعندما بدأ فى تلقى مكالمات المشاهدين، وكانت النسبة الأكبر منهم من النساء، أدركت أن الكثيرين من مريديها شيعوا جثمانها إلى مثواه الأخير، وأنها غابت بالفعل عنهم ولن تعود وأن عليهم التسليم بالواقع الذى يعيشونه، وبقدر حزنى على ضياعها إلا أننى أدركت أهميتها وأحسست أن كثيرين مثلى يعتبرونها زادهم فى رحلة العمر ويحاولون الإمساك بأى لحظة أو فعل أو إحساس يمثلها بصورة واضحة.
ولأننى أتخذها منهجاً لحياتى فقد رفضت الاستسلام كما فعل الكثيرون، وقررت أن أبحث عنها فى كل مكان يمكن أن تلجأ إليه هاربة من قسوة الحياة ومطاردة الواقع لها، فوجدتها تعيش بين سطور أشهر الروايات العالمية والقصائد الشعرية، تتجول من دولة لأخرى بإبداعات مؤلفيها، حيث يتم ترجمة الرواية الواحدة لعشرات اللغات ليستمتع بها عشاقها، فالرومانسية لها تاريخ سُجل فى صفحات وصفحات، فهى ذلك المذهب الأدبى والفنى الذى يتميز بتفوق العاطفة على العقل، ولو تحدثنا عنها بالنسبة لعلم النفس فهى مجموعة من الأحاسيس والمشاعر يكنها الإنسان بداخله لشخص آخر، والتعبير بالرومانسية يكون على عدة صور منها الشعر والنثر، هذا بخلاف اللفتات الإنسانية والتعاملات الراقية بين الأشخاص، التى توصف بنفس الكلمة إعجاباً وامتناناً لها.
ونكمل الأسبوع المقبل.