بنفس درجة الغباء السياسى التى أضاعت العراق وجيشه، يقدم العرب مرة ثانية غطاء شرعياً لضربة عسكرية محتملة لسوريا.. حيث حمّل وزراء الخارجية العرب «الحكومة السورية» مسئولية استخدام السلاح الكيماوى فى ريف دمشق.
قبل أن يصدر تقرير من مفتشى الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، وقبل أن نتأكد من الذى استخدم السلاح الكيماوى فى سوريا «النظام» أم «المعارضة».. المهم أن الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» فى مأزق وعلى العرب أن ينقذوه ويناصروه مهما كان الثمن!!
من قبيل الدعابة يقال إن «أوباما» صلى صلاة استخارة فلم يسترح قلبه لضرب سوريا، والحقيقة أنه لا صلى ولا أرسل قراره للكونجرس احتراماً لمجلس الأمن الغائب عن المشهد ولا لمنظمة الأمم المتحدة التى تكتفى بالبيانات.. بل لأن معظم الدول الغربية تخلت عنه وقررت عدم الخوض فى بحر الدم السورى، وإبادة المعارضة مع النظام إرضاء لنزوات «أوباما».. لكن العرب توازناتهم السياسية لا تعرف إلا الركوع على عتبة «البيت الأبيض».
وكأن العالم كله تآمر على الشعب السورى، «بشار الأسد» و«الجيش الحر» وجبهة «النُصرة»، التى بايعت زعيم تنظيم «القاعدة».. وحزب الله» و«إيران»، ثم تأتى أمريكا بأسطولها السادس المرعب لتنهى أسطورة العرب بضربة عسكرية على سبيل «الردع».
هل من هتف -داخل قاعة جامعة الدول العربية- مطالباً بالردع يدرك أنها بداية حرب إقليمية، قد تدخل فيها إيران بضربة مستفزة لإسرائيل، علاوة على وجود قاعدة الصيانة البحرية الروسية فى ميناء طرطوس السورى، مما قد يجعل العسكرية الروسية طرفاً فى مواجهة ما، إذا تدهور الأمر!!
لماذا يصر العرب على أن نكون دائماً سوقاً لترويج السلاح الأمريكى، وتكون أرضنا مستباحة ومحتلة.. أو تتحول عواصمنا لقواعد عسكرية أمريكية؟
إذا كان «أوباما» لا يعترف بالقانون الدولى، فالوحيد الذى طالبه بالاحتكام للقانون الدولى هو وزير الخارجية المصرى، «نبيل فهمى»، الذى أكد أن مصر ترفض التدخل العسكرى فى سوريا إلا وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذى ينص على ضرورة التأكد من أن الدولة باتت تمثل خطراً على الأمن والسلم الدوليين.. هناك حالة عمى جماعى عند العرب!
حالة تغرى بممارسة البلطجة السياسية علينا، كما يفعل «أوباما»، لأننا عاجزون عن إيجاد حل سلمى للحرب فى سوريا، نرى مئات الآلاف من القتلى والمصابين فنكتفى ببيانات الإدانة!
ننظر بانبهار للرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» وهو يوجه رسالة شديدة اللهجة للإدارة الأمريكية، معتبراً أن توجيه هذه الضربة سيكون خرقاً للقانون الدولى.. لأننا لم نعد نرى إلا أمريكا، لا نعترف بأى قوى دولية غيرها.. وسنظل كذلك حتى تحقق إسرائيل حلمها: (إسرائيل من النيل إلى الفرات)!!
لقد ارتكب «بشار» مجازر يندى لها جبين البشرية، لكننا رأينا أيضاً المعارضة تذبح جندياً وتأكل قلبه.. إنها حرب «علوية - سنية» وهذا ما نشط قاعدة «أنجرليك» الجوية بتركيا استعداداً للعمل العسكرى المرتقب، فهذا ما يريده «رجب طيب أردوغان».. إنه «التقسيم» وفقاً للسيناريو الأمريكى المعد للمنطقة العربية.
نحن أمام شعب ثائر ونظام مستبد، وبينهما أسلحة كيماوية وظاهرة صوتية اسمها «العرب».
العرب أسرى الانحياز الطائفى، إنها نقطة الضعف التى يدركها «أوباما» جيداً.. لكن «أوباما» لا يرى أن حربه على سوريا بمثابة «مستنقع» فى الشرق الأوسط، لن ينجو منه مثلما نجا من احتلاله الدموى للعراق. الضربة العسكرية المحتملة على سوريا لن تكون محدودة، فقرار أمريكا بضرب سوريا يستهدف 36 هدفاً تضم المؤسسات الحكومية والمطارات وأبرز المنشآت الحيوية الضخمة داخل سوريا.. وعلى العرب أن يدركوا أنها -إن وقعت- ستكون «الضربة القاضية» لهم.