يمكن للسان أن يكون آلة قتل، فهو يقتل حرفياً حينما يتم بلعه، وقد حدث هذا عدة مرات لمشاهير، فى ملاعب كرة القدم مثلاً، وهو بالمناسبة اسم ليس على مسمى؛ فلا يمكن عملياً بلع اللسان، وكل ما يحدث هو سقوط قاعدة اللسان فى مجرى الهواء وسده.. وكثيراً ما يقتل اللسان جراء ما ينطق به، وكما يقول الشافعى: «كم فى المقابر من قتيل لسانه»، وبيت شعر واحد فقط لا غير تسبب فى مقتل «المتنبى»، أشعر شعراء العرب.. ولذلك فالمأثور الشعبى اهتم بالأمر وأكد على أن «لسانك حصانك إن صنته صانك».. وجاء فى القرآن الكريم «خلق الإنسان. علمه البيان».. وبالفعل «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة»؛ فكلمة هنا قد ترفع إنساناً إلى القمة، وأخرى هناك قد تطيح به عنها.
عام 1964 كان الرئيس الأمريكى «ليندون جونسون» مكروهاً من الأمريكيين، وكان قد تولى الحكم عقب اغتيال «جون كينيدى»، ولكنه نجح فى انتخابات الرئاسة وباكتساح فريد؛ حيث فاز بأربع وأربعين ولاية من أصل خمسين! والسبب أن منافسه الجمهورى «بارى جوولدووتر» لمَح بأنه سينتصر على الاتحاد السوفيتى عبر حرب نووية، ما جعل الأمريكيين ينفضون من حوله، فخسر هو وحزبه الكثير، وفاز رئيس مكروه، اضطر بعد ذلك لعدم خوض السباق الرئاسى التالى من الأساس لتدهور شعبيته.
أما «جيرالد فورد»، الذى عُين نائباً للرئيس «ريتشارد نيكسون» بعد استقالة «سبيرو أجنيو» بسبب قضايا فساد وتهرب ضريبى، ثم عُين رئيساً للبلاد بعد استقالة «نيكسون» نفسه بسبب فضيحة التنصت فى «ووترجيت»، فقد أُطيح به فى أول انتخابات يخوضها نتيجة خطأ واحد حين وقف فى مناظرة أمام «جيمى كارتر» وقال: «لن يهيمن الاتحاد السوفيتى على أوروبا الشرقية ما دمت حياً!»، وقد كان يقصد أوروبا الغربية لأن الاتحاد السوفيتى كان مسيطراً وقتها بالطبع على شرق أوروبا. وقد خسر نتيجة هذا الخطأ، الذى أفصح عن حالة من عدم التركيز.
هفوتا «جوولدووتر» و«فورد» كانتا سبباً لسعادة «جونسون» و«كارتر» على الترتيب. ولكن هل يمكن لكلمة أن تُبكى رئيس جمهورية ووزير خارجية وسفيراً وأميناً للقصر الجمهورى وكبير الياوران؟ حدث بالفعل؛ فبعد انفصال سوريا عن مصر أوائل ستينات القرن الماضى وقف الأديب والدبلوماسى السورى «سامى الدروبى» يُقدم أوراق اعتماده سفيراً لجمال عبدالناصر فقال: «يحز فى نفسى أن تكون وقفتى هذه كوقفة أجنبى، كأننى ما كنت فى يومٍ مجيد من أيام الشموخ مواطناً فى جمهورية أنت رئيسها». فبكى الحاضرون، ورد عليه ناصر قائلاً: «يسعدنى أن أستقبلك لا كأجنبى ولكن كابن من أبناء الأمة العربية التى هى أمة واحدة».
علينا الحذر دوماً مما نقول لأن لكل شىء فاتورة، تُدفع فوراً أو بعد حين، أو يتم تقسيطها، وإذا كان الصمت من الفضائل، فالمهم أن نستغله بشكل صحيح بأن نفكر خلاله، لأنك حين تقرر الكلام لا بد أن تنطق كلاماً عاقلاً.. وإلا فلتنتظر الفاتورة.