لم تكن الثامنة من مساء الأحد الماضى توقيتاً عادياً بل كانت ساعة الصفر لإحداث «الانقلاب» فى حياة هشام عبدالباسط، محافظ المنوفية «سابقاً»، الذى اكتسب لقب «المتهم»، إذ ألقى القبض عليه فى مدينة السادات وهو يتسلم «رشوة» مليونى جنيه من رجلى أعمال مقابل تخصيص أراض لهما تصل قيمتها لـ20 مليون جنيه، وبدلاً من أن تتصدر صوره وأخباره الصفحات الأولى من الصحف -وهو بصحبة الرئيس السيسى- انتقلت إلى صفحات الحوادث بعد أن أصبح «مجرد رقم» فى دفاتر نيابة أمن الدولة العليا وفى «رول محكمة الجنايات» قريباً، لم يكن «هشام عبدالباسط» سوى مجرد حلقة فى سلسلة فساد طويلة.. إذ لم يعد مشهد «مسئولين فى قفص الاتهام»، مشهداً غريباً عن الشارع المصرى، خاصة بعد أن اعتاد «الفساد» اختيار فرسانه من كبار مسئولى الوزارات والمواقع التنفيذية ولا يعترف بمجرد «فساد موظف صغير» يفتح مثلاً درج مكتبه انتظاراً لـ«الشاى»، وإذا كان الرأى العام قد اعتاد فى السابق على مشهد موظف فى وزارة أو رئيس حى أو مدينة تدفعه يد مخبر أو عسكرى إلى داخل سيارة الترحيلات أو إلى تخشيبة أى قسم للشرطة بعد أن جرى ضبطه متلبساً، فإن هذا المشهد قد تبدل تماماً ليصبح «الوزير» ذاته أو المحافظ هو «بطل الواقعة»، وبدلاً من المخبرين ظهر فى المشهد ضباط أكفاء من الرقابة الإدارية، ربما كان «الوهم» الذى سيطر على عقول هؤلاء المسئولين هو السبب فى انحرافهم وبالتالى سقوطهم، إذ ظنوا أنهم فى مأمن تام عن عيون الرقابة وأن أحداً لن يكشف فسادهم دون أن يدركوا أن «صقور الرقابة» تتحين اللحظة المناسبة لـ«الانقضاض» عليهم متلبسين بالصوت والصورة ليقفوا بعدها أمام النيابة فى بداية رحلة تلمع خلالها عدسات مصورى الصحف وهى تلتقط ملامحهم وهم خلف قضبان المحاكم لينتهى المطاف بهم إلى عنبر فى أحد «السجون»..!
وربما أيضاً توهم هؤلاء «السذج» جميعاً الذين طالتهم أيدى الرقابة الإدارية أن ترديدهم شعارات بحتمية «مطاردة الفساد والفاسدين» وأنهم جميعاً لن يدخروا جهداً فى محاربة هذا الوباء أمر كاف تماماً لإبعاد أعين الرقابة عنهم، ظناً منهم أن أحداً لن يتعرض لهم سواء فى تنقلاتهم بالداخل وهم يتظاهرون بمتابعة الأعمال المكلفين بها وهو يرددون هذه الشعارات، أو يعترض طريقهم إلى خارج البلاد إذا فكروا فى الهروب ومعهم «حصيلة فسادهم»..!
غاب عن هؤلاء «الفاسدين» أن مرحلة عدم محاكمة الفاسد أو محاسبة المخطئ أو المخادع قد فقدت «صلاحيتها» تماماً.. بل إن «رب الفساد» نفسه الذى كان يبسط حمايته عليهم قد خضع للحساب والمحاكمة ولم يعد أحد ممن يحسبون أنفسهم أنهم من المحظوظين وأصحاب النفوذ فى مأمن من الحساب والعقاب إذا ما انحرف وطاله «عفن الفساد»..!
وإذا كان البعض يحاول أن يستثمر «مسلسل الإيقاع بالفاسدين» فى تشويه صورة النظام والمجتمع بأن الفساد قد استشرى بشدة خلال الفترة الماضية وأحكم قبضته على الكثيرين وأنهم فى حماية النظام فإنهم واهمون، فليس هناك أى جديد فى انتشار الفساد بهذا الحجم، بينما الجديد هو تنامى عمليات كشفه وضبطه ومحاكمة مرتكبيه، وليس هناك شفافية أكثر فى محاربته من إلقاء القبض على محافظ المنوفية قبل ساعات قليلة من زيارة رئيس الجمهورية للمحافظة..!
اللافت للنظر فى قضايا الفساد هو أن قائمته تضم وزراء ومحافظين ونواباً لهم وقضاة وصغار كبار موظفى الدولة حتى «قوارير العمل العام» انضممن لهذه القائمة التى لم تعد مقصورة فقط على مسئولى المحليات كما اعتدنا..! وكان صلاح هلال وزير الزراعة سابقاً والسجين حالياً هو من افتتح طريق المسئولين الفاسدين إلى «طرة» إذ جرى ضبطه على الهواء أمام عشرات المئات من المواطنين فى ميدان التحرير بعد دقائق من مغادرته مقر مجلس الوزراء بعد تقديم استقالته.. وكان نصيبه 10 سنوات سجناً!!
فى أغسطس الماضى، دخلت سعاد الخولى، نائبة محافظ الإسكندرية «عش الفساد» لتقاضيها مبالغ مالية وعطايا مادية ومصوغات ذهبية من رجال الأعمال.. وأثار مستشار بمحكمة استئناف الإسكندرية ضجة بعد ضبطه برشوة مالية لإخراج متهمين بجلب مخدرات.
وفى أكتوبر الماضى، ألقت هيئة الرقابة الإدارية فى المنيا، القبض على 3 أشخاص بينهم مسئول بديوان عام المحافظة، فى واقعة رشوة، مقابل تسهيل إجراءات الاعتمادات والموافقات والمستحقات المالية لتوريد الأغذية، وتلاه سكرتير مكتب محافظ الجيزة فى نفس الشهر لطلبه رشوة جنسية من ربة منزل، مقابل إصدار قرارات إزالة لمبان على أرض متنازع عليها بينها وبين أشقاء زوجها، بطريق أسيوط الزراعى.
فى نهايات العام الماضى عادت قائمة الفاسدين إلى طبيعتها التى اعتدناها، إذ ضمت رئيسى حيى الموسكى والرحاب، غير أنها لم تغفل أيضاً عن التقاط مسئول أملاك السكة الحديد بالدقهلية لتقاضيه رشوة من صاحب قطعة أرض، مقابل إصداره خطاباً يفيد عدم وجود أملاك تابعة للسكك الحديدية عليها، ومسئولين فى الأوقاف بالإسماعيلية تقاضيا رشوة من عمال مساجد بالقنطرة شرق، مقابل عدم حضورهم فى المواعيد الرسمية.
ويعد مدير عام التوريدات والمشتريات بمجلس الدولة «أوناسيس الفاسدين» حتى الآن، إذ عثرت الرقابة الإدارية على أموال تُقدر بأكثر من 150 مليون جنيه فى منزله، منها 24 مليون جنيه مصرى، و4 ملايين دولار، و2 مليون يورو، ومليون ريال سعودى، بالإضافة لمشغولات ذهبية وعقود عقارية، وإذا كان مدير المشتريات قد سدد حريته مقابل فساده، فإن الأمين العام للمجلس وهو «قاض» قد سدد حياته فاتورة لفساده.
وتأتى عملية ضبط هيئة الرقابة الإدارية لموظف بمديرية الزراعة بالدقهلية متلبساً بتقاضى رشوة من صاحب مزرعة لترخيصها، على الرغم من مخالفاتها هى آخر قضايا الفساد حتى الآن.. فـ«تحية لأبطال الرقابة الإدارية».. واحذر إن كنت مسئولاً أو وزيراً من أن «يوزك شيطانك.. ارتشى يالا»..!