هذا ملخص حدوتة القبض على هشام عبدالباسط، محافظ المنوفية، فى قضية فساد. نحن أمام رجل تحركه ثقافة معينة، وامرأة تحركها ثقافة محدّدة. الاتهامات الموجّهة إلى المحافظ تقول إنه فسد وارتشى. المحافظ فعل ما فعل، ولم تطرف عينه خوفاً من أن يعلم شعب المنوفية بفساده فيثور عليه أو يطالبه بالإقالة، أو أن يجمع الشعب فساده على بعض قضايا الفساد الأخرى التى كشفها جهاز الرقابة الإدارية لمسئولين فيحتج الناس على هذه الأوضاع. ارتشى المحافظ الذى تقول سيرته الذاتية إنه حاصل على ليسانس حقوق، ولم تهتز شعرة فى رأسه، خوفاً من أن تطاله يد القانون، فتعاقبه على ما فعل، وتضع يديه بعد الحظوة والنفوذ فى الكلابشات، وتُزج به بعد العز والجاه فى غيابات السجون. لم يخشَ المحافظ، الذى تتصدّر جبهته «زبيبة صلاة» الخالق العظيم الذى نهى عن أكل الأموال بالباطل، ونص فى كتابه الكريم على: «وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ». فعل المحافظ ما فعل دون خوف أو خشية من شعب أو قانون أو جهات تراقبه أو رب قاهر فوق عباده، لكن خاف من زوجته. تلك هى المفارقة!.
الرجل فى مصر لا يهتز أمام أى قوة مهددة له، لكنه لا يجرؤ على مواجهة زوجته حين يقرر الزواج عليها بأخرى. وعادة ما تكون نهاية هذا الصنف من الرجال على يدى الزوجة التى تكتشف أن زوجها قرر أن يجلب لها «ضرة» فتورده موارد الهلاك وتكشف فساده، حدث ذلك فى واقعة فساد شهيرة بوزارة الزراعة أيام «يوسف والى»، كان بطلها يوسف عبدالرحمن «قضية المبيدات المسرطنة». علينا أن نعيد النظر فى المثل الشعبى الذى يقول «رب ضارة نافعة» ليصبح «رب ضرة نافعة».
تعالَ بعد ذلك إلى الطرف الثانى فى القصة، طرف المرأة. كثيرات يعلمن أن أزواجهن يسرقون ويرتشون ويهلبون من كل الاتجاهات، ويعلمن أن هذه الأفعال يمكن أن تضعهم تحت سيف القانون، أو غضب الشعب، وقبل هذا وذاك غضب المولى عز وجل، ورغم ذلك يضربن صفحاً عن الأمر، ولا أريد أن أبالغ وأقول إن بعضهن يفرحن بالأموال التى تأتى من حرام فى ظل ثقافة استهلاكية أصبحت تحكم رأس الجميع. ربما نمى إلى علم أى زوجة الموبقات التى يرتكبها زوجها فى عمله وسكتت، لكن الأمر يختلف تماماً إذا وصل إليها أنه يلعب بذيله من ورائها، إنها تكتفى بتأديبه وتهذيبه وإصلاحه إذا علمت أن المسألة تنحصر فى دائرة اللعب، لكنها لا تتوانى عن تضييعه والدفع به إلى أسفل سافلين إذا علمت أن الأمر بلغ محطة الزواج. المرأة لا تغفر للرجل أن يتزوج عليها، وتغفر ما دون ذلك بكيفها ومزاجها، أو بالمصطلح الأدق بثقافتها.
واقعة القبض على محافظ المنوفية بما اشتملت عليه من تفاصيل تضع هذا المجتمع أمام واحدة من مرايا ثقافته. أشياء صغيرة للغاية يمكن أن تجدها قادرة على تفجير مسائل وأزمات كبرى لدى بعض المصريين، فى وقت تجد فيه هذا البعض يتجاوز عن كبائر الأمور بصورة تدعو إلى العجب!.