ترتب على دعوة الرئيس الفلسطينى محمود عباس لزيارة القدس أثناء كلمته بمؤتمر الأزهر العالمى لنصرة القدس، سجال دينى وفكرى وسياسى، اختلط فيه الحابل بالنابل، والدينى بالسياسى، والمصلحة الخاصة بالمصلحة الوطنية، وهو شبيه بالسجال نفسه الذى حدث منذ عدة سنوات بين الراحل البابا شنودة الثالث وبعض الشخصيات من النّخبة المثقفة المسيحية المصرية حول زيارة القدس.
استشعرت تكرار هذا السجال عند قراءة تحقيق حول هذا الأمر «جريدة الشروق 19 يناير 2018»، حيث انقسم المشاركون فيه إلى فريقين أولهما يضم: د. عباس شومان ود. نصر فريد واصل ود. حسن الشافعى. وثانيهما يضم: د. محمود حمدى زقزوق ود. على جمعة. وأتوقف هنا عند بعض التصريحات المهمة.
أكد وكيل مشيخة الأزهر د. عباس شومان أن «الزيارة تحت الاحتلال الغاشم مفسدة عظيمة».
وقال د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء: إن «زيارة فلسطين والقدس تحت الاحتلال الصهيونى نوع من أنواع التطبيع مع العدو واعتراف بمشروعيته». كما أعلن د. حسن الشافعى، عضو هيئة كبار العلماء: «نحن فى مرحلة دقيقة لا تصلح معها أى حلول سياحية فى أمور سياسية.. هذه الزيارة لا تعنينا».
تأتى تلك التصريحات على غرار تصريحات سابقة.. أثارت جدلاً واسعاً حينها، على غرار خطبة د. عباس شومان من مسجد الشربتلى فى 30 نوفمبر سنة 2012، التى عبّر فيها عن دعمه المطلق للرئيس المعزول محمد مرسى فى أعقاب الإعلان الدستورى الشهير، مؤكداً أن من حقه أن يقضى ويفصل وأن يأتى بقضاة ويعزل خصومه. ود. نصر فريد واصل الذى وافق على رئاسة الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح وقت صعود الجماعة الإرهابية وأعوانها للحكم السياسى، وكان د. محمد عبدالمقصود نائباً ثانياً له، والشيخ محمد حسان نائباً ثالثاً له.
أما د. حسن الشافعى فله موقف واضح وصريح من خلال بيانه على قناة «الجزيرة» فى 29 يوليو 2013، حيث قال «ما شهده ميدان رابعة ظلم فادح.. لم تشهد له مصر مثيلاً حتى من المستعمرين»، ووصف ما حدث بأنه مجازر.
وعلى الجانب الآخر، يرى د. محمود حمدى زقزوق، عضو هيئة كبار العلماء ووزير الأوقاف الأسبق، الذى قال: «إن الزيارة مهمة كشكل من أشكال التعبير ضد الاحتلال الإسرائيلى». كما أكد د. على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتى الديار المصرية الأسبق، الذى زار القدس عام 2012 «أن زيارة القدس واجبة على كل مسلم».
بالمناسبة، لست أميل هنا إلى ترجيح رأى على رأى مقابل.. فليس من شأنى أو اختصاصى الدراسات الدينية المسيحية أو الإسلامية. ولكن ما يحكمنى هنا هو الحس الوطنى بالدرجة الأولى، لكيلا نترك علاقاتنا الخارجية مع الدول الأخرى لتصريحات هنا وهناك.. لمن لا يستوعبون مقتضيات العلاقات الدولية والمصالح الوطنية. ولكيلا نصادر اختصاص وزارة الخارجية التى تعمل فى سياق الأمن القومى المصرى لصالح تصريحات وآراء مغلوطة.. لا ترتكز على معلومات حقيقية دقيقة.
نقطة ومن أول السطر..
الطبيعى أن مصالح الأديان لا تتعارض مع التوجهات الوطنية للأوطان.. فالأوطان القوية هى التى يمكنها الحفاظ على الثوابت الدينية، طبقاً لخصوصية كل مجتمع ومصالحه. والحكمة تقتضى أن ينشغل كل إنسان بما كلف به.. دون أن يقحم نفسه فى ما لا دخل له به.