بدأ الرعب يسيطر عليَ حينما تذكرت ما حدث، فوضعت السماعات في أذني وبحثت عن سورة البقرة.. هدأت روحي وعادت إلىَّ السكينة تدريجيا ونظرت في الساعة مرة أخرى، إنها الثامنة صباحًا نعم! انتهت هذه الليلة المرعبة، وخرج من هذا المكان "الملعون" واتجهت إلى المنزل.
ليلة عصيبة مرت ولا أعلم لماذا حدث كل هذا؟!، دخلت من باب البيت وأخذت حمامًا ساخنا مع بعض الموسيقى الهادئة كي أريح أعصابي، وجلست أشاهد التلفاز فغلبني النعاس، 6 ساعات متواصلة دون أن أحرك ساكنًا.. الغرفة مظلمة والتلفاز يخرج منه ضوء خافت بسبب خلفيته المشوشة كأن الإرسال انقطع.. همس أكاد أميزه في البداية ظننته صوت الأطفال في الشارع يلهون مع بعضهم.
حاولت أن أبعد أي مخاوف لكنه بعد مرور كل دقيقة أتأكد أنه الصوت ذاته صوت هذا الزائر.. إنه هو!!، وأقول في نفسي"يا رب يطلع حلم أنا مش ناقص"، وفي هذا اللحظة قطعت تلك الأصابع التي دخلت تحت الغطاء وأمسك قدمي الشَّك باليقين، تسمَرت في مكاني ولم أقدر ساعتها على التنفس، فصرخت بصوتٍ عالٍ لعل هذا الشيء يتركني.
يالله، ماذا يحدث لي.. التفت عائلتي حولي وعلى وجه كل منهم الكثير من علامات الاستفهام، وقبل أي كلام أحضر والدي مصحفه الكبير وجلس يقرأ بعض الآيات من سورة البقرة لعلي أهدأ قليلًا، بعدها سردت لهم كل ما حدث، حاول والدي جاهدًا ألا يزعجني وأخبرني أنه ما يحدث سببه إرهاق العمل.
استخف أخي الصغير بما يحدث معي: "بقى أنت خايف من العينين والصوت.. دي حاجة بسيطة أتعلم مني تعمل إيه"، تركته يثرثر كعادته وجلست أتابع فيلما كارتونيًا لأخرج من هذا الرعب.. حتى حان موعد الذهاب إلى العمل، شرد ذهني قليلًا فيما سيحدث الليلة، هل تتكرر مرة أخرى؟ أم أنها مجرد خيالات نابعة من إرهاق العمل كما قال أبي؟، ساعات قليلة وسأعرف.
ومثلما يحدث كل يوم أسير في ذلك الشارع المظلم وصلت إلى منتصف الطريق، وهذه المرة كنت أشعر بأن هناك من يلاحقني، أسرعت في خطواتى فأسرع ذلك الشيء خلفي أسمع الخطوات تقترب مني وقفت في مكاني وإذ بيدٍ تمسكنى من كتفي فنظرت إلى صاحب هذه اليد لكنني لم أجد شيئًا، رردت بعض الأدعية "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.. أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" حتى وصلت إلى محل العمل، هذا المبنى الموجود في المهندسين.
وقفت أمام الباب مترددًا "أدخل ولا مدخلش".. وقررت أن أقضي يومي "كلها 8 ساعات والدنيا تبقى تمام وفيه إسلام أهو يكون موجود معايا متخافش".. فتح إسلام (أمن المكتب)، جلست خلف جهازي مترقبًا أن يحدث شيء.. مرت الساعة الأولى بسلامٍ، والآن إنها الثانية صباحًا.. فجأة انقطع التيار مرة أخرى.
الخوف أخذ يتسلل إليَّ وخصوصا بعدما وجدت كل الأبنية المحيطة بالمكان النور يشع منها إلا هذا المبنى، ولم تمضِ بضع ثوانٍ إذ بشاشة الكمبيوتر تضيء والتيار منقطع.. والعينان اللامعتان تظهر مرة أخرى والكلمات أسمعها بوضوح "انتبه.. لا تخرج احذر"، في هذه الأثناء شعرت بأن أحدًا يمسك فمي حتى لا يخرج صوتي.
اختفت العينان لكن جسدا كان يتشكل أمامي عند باب المكتب.. يشبه إنسانا ذا بياضٍ ناصع بشعر أسود داكن وعينين لامعتين، تحرك نحوي وبصوت عالٍ بدأ ردد "لا تخرج من الغرفة.. احذر".. "لا تخرج من الغرفة احذر"، بعدها تلاشى ذلك الشخص وعاد التيار الكهربائي مرة أخرى.. بقيت في مكاني لا أحرك ساكنا، وكل ما كنت أفعله هو ندائي لـ"إسلام" أمن المكان.
ساعتان وأنا في هذا الرعب، من هذا الشخص الذي ظهر لي؟، وممن يحذرني؟، ولماذا أكد عليَّ عدم الخروج من الغرفة؟.. وفي الرابعة فجرًا وأنا أبحث عن إسلام في المكان كله، وأنادي عليه ليكون معي في المكتب، بدلا من أن يكون كل واحد فينا يجلس بمفرده في مكان، سمعت بكاءً في غرفة الاجتماعات المغلقة.
وكلما مر الوقت على الصوت وبات واضحا جدا ومسموعا، اتجهت إلى تلك الغرفة وقررت أن أدخل لأرى من يبكي بهذ الطريقة، فتحت الباب، فرأيت شخصًا يجلس على الكرسي في صمت ووجه إلى الحائط، جاء إلى مخيلتي رجل الأمن فناديت عليه "إسلام.. إسلام أنت سامعني.. مالك فيه إيه يا ابني"، لكنه لم يجب مطلقًا وظل ساكنا.
دخلت الغرفة وأنا اقترب منه ببطء.. وفجأة أُغلق الباب خلفي بقوة لدرجة أن صدى اصطدام الباب تردد، هنا انقبض قلبي وحينما أمسكت الكرسي لأديره فكانت الصدمة التي وقعت كالصاعقة.. لم يكن "إسلام" على الكرسي إنه.. إنه أنا.
يتبع....