قُدر لي أن أعيش في بيئاتٍ فكرية مُختلفة، وأن اُخالط ثقافات متباينة داخل مجتمعنا، فتأملت القوم وحالهم، فتبين لي الآتي:
إن العِلة التي بداخل عقولنا تكمنُ في التشتتِ الفكري، وتداخل الأفكار والمفاهيم ببعضها، فأجد أن كثيراً لا يُدرك الفوارق الواضحة حتى بين الأمور المادية والمعنوية.. واضربُ القوة بنوعيها مِثالاً على ذلك.
إن ما يَقيس القوة الجسدية للفرد هي قدرته على إنجاز المهام التي تتطلب مجهوداً بدنياً عالياً، أما القوة الشخصية للفرد فتُقاس بقدرته على مواجهة الشدائد والصبر عند المصائب فلا يصح الخلط بينهم، وقِس على هذا كل المفاهيم.
فالأمور المادية لا يمكن وصفها والتدليل على وجودها إلا بأدلة مادية ملموسة على أرض الواقع، والأمور المعنوية لا يمكن وصفها وإثبات وجودها إلا بأدلة حسية مُستشعرة داخل النفوس، وما يُحدِث الخلط بينهم هوعدم قدرة العقول على وزن الأمور وزنها الصحيح، نتيجة لما يحيط بها من أفكار كثيرة سواء الموروثة منها أو المستحدثة نتيجة سرعة تغير العصر.
فعلينا أن نحرص على عدم حدوثِ هذا التداخل ونفهم الطريقة التي يُفكر بها عقلنا وأن ننتبه كل الانتباه لما بداخله من أفكار وأحكام ومعتقدات، لأن "الفُتنة أشدُ من القَتلِ"، أي أن إلحاق أفكار فاسدة داخل العقل هو أفظع وأكبر من أن تقتل صاحب هذا العقل".