فى هذا العالم، لكل منا هاجسه الخاص ودائرة اهتمامه، وقد كانت اهتماماتى ودراساتى وقراءاتى وكتاباتى وهواياتى دوماً تتعلق بالإنسان والعلوم الإنسانية، وكل ما يخص النفس البشرية والعقل البشرى المعقّد والوجدان البشرى الأروع بين المخلوقات.
يشغلنى عالم البشر كثيراً، حتى إن عملى يتخصّص بهذا المجال بين كتابة للأدب العربى بفنونه من قصة ومقال ودراما، إلى مقالات رأى تعنى بسلوك الإنسان ومعتقداته ومفاهيمه وعلاقته بالكون ومفرداته، وقوانينه وسياساته. أهتم أيضاً بقصة الخلق وتطور الإنسانية وتفاصيل البشر، ولا أفوت الفرص لأخذ الدروس والعبر.
أعمل أيضاً بمجال تقويم وتعديل السلوكيات وتقديم الاستشارات الحياتية، ومن خلال خبرتى فى هذا المجال علمت أن البشر حكايات وقصص، تتشابه أحياناً، لكنها لا تتطابق أبداً، هم مختلفون نفسياً، كاختلاف فصائل دمائهم، وبصماتهم وألوان جلودهم، وعيونهم وأطوالهم وصفاتهم.
من خلال هذه التجارب الفريدة، وبربط تاريخ البشر بحاضرهم، واستشراف مستقبلهم، تستطيع بسهولة تقسيمهم إلى فئات وأنواع ومذاهب فكرية وسلوكية، وهو الأمر الذى يعتمد عليه علماء النفس والفلسفة فى التنظير والتقرير. ومع الوقت والخبرة تستطيع بسهولة قراءة البشر ككتاب مفتوح، بل تتمكن أيضاً من توقّع طريقة تصرّفهم وردود فعلهم من خلال قراءة لغة الجسد وقراءة الأفكار وتحليل التصرفات والاستماع إلى إجابات معينة عن أسئلة بذاتها تمكنك من رؤية الصورة كاملة.
ليس المهم هنا هو قراءة البشر ونواياهم وأنواعهم بقدر ما هو مهم مساعدة من يحتاج منهم للمساعدة، فبمساعدتنا للآخرين نساعد أنفسنا أيضاً، فكم من إنسان فى هذا الكون عالق بمشكلة ما، تجعله يحوم حول ذاته كغريق لا يكاد يلتقط أنفاسه! حتى يعاود الغرق من جديد!! كم من إنسان هُزمت مشاعره جراء فقد أو هجر، فغدا وحيداً تتلاطمه أمواج الوحشة أو الغدر والخداع! فبات حزيناً مهموماً، لا يرجو فرحاً ولا ينتظر ابتساماً، وربما لن يثق فى البشر ثانية؟
نحن نلاحظ ونتعلم ونعلم لتقدم وسلام هذا الكوكب (أو أن هذا هو المفروض).
وبالتالى، فإن أى قصور بالنفس البشرية أو تشوه بها، لا يُؤذى صاحبها فقط، بل يضر المنظومة ككل، لهذا تكون مهمة الإصلاح الاجتماعى والتقويم السلوكى والإرشاد النفسى مهمة غاية فى الدقة والأهمية. كما أنها يجب أن تتم على صعيدى الأفراد والجماعات بالتوازى والمزامنة، لتتم رسالة هذا الكوكب بالإعمار والسلام.
إن سلوكيات البشر وتصرّفاتهم هى بمثابة بطاقات هوية نفسية لهم، يُدون عليها خلفياتهم الاجتماعية والعلمية والثقافية (ومشكلاتهم التى حفرت ملامحهم أو أفراحهم أو إيمانهم ودرجة سلامه الداخلى)، لهذا عليك دائماً التماس الأعذار للناس والرفق بهم، فبعض النفوس من فرط بؤسها تظهر لك أنها الأكثر تجبراً وتهوراً، وما هم سوى مهزومين ومهزوزين نفسياً وثباتياً.
فالمتعجرف وإن أغضبك سلوكه وتكبّره يجب أن تدرك أن عجرفته هذه ما هى إلا دلالة عجز وضعف حقيقى، كذلك العصبى والغاضب، فهو على الأغلب قد مر بالكثير، لكن نفسه كانت أضعف من التحمّل والصبر! والمرتاب والمتشكك تأكد بأنه رأى الكثير من غدر ونكران وخداع البشر، فبات متوجساً، متحفظاً!! بالنهاية لا تحاسب الناس على إخفاقاتهم، بل حاول فهمهم والتماس الأعذار لهم ومساعدتهم إن استطعت، فمجتمع سليم معافى وعالم طيب هو التعبير الحقيقى عن فكرة إعمار هذا الكوكب.