(1)
كانت أول تغريدة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب عام 2018.. ضدّ باكستان الحليف الموثوق للولايات المتحدة.
اتهم «ترامب» باكستان بدعم الإرهاب.. وقال: «إنّ أمريكا قدمت بغباء 33 مليار دولار فى 15 عاماً مقابل أكاذيب».. «باكستان تظن أن قادة أمريكا سفهاء».
مضت إجراءات التصعيد أسرع من كل التوقعّات.. قام الرئيس ترامب بتجميد 2 مليار دولار من المساعدات الأمريكية.. وجرى الحديث عن عرقلة قروض لباكستان من المؤسسات المالية الدولية، وإعادة النظر فى وضع باكستان كحليف من خارج الناتو.
بدورها.. قامت باكستان بإغلاق إذاعة مموّلة أمريكياً، كما أوقف وزير الدفاع الباكستانى تبادل المعلومات المخابراتية بين باكستان وأمريكا. ثم توالت التصريحات الباكستانية الغاضبة: «المساعدات ليست عملاً خيرياً، وأمريكا فاشلة وتحمِّل فشلها لباكستان».. ثم قال رئيس الأركان الباكستانى: «إنها خيانة».. وقال وزير الخارجية: «أمريكا صديق يخون دائماً.. لم نعد حلفاء».
قامت أمريكا بضرب مواقع داخل باكستان قالت إنها لعناصر فى شبكة «حقانى» المتحالفة مع «حركة طالبان».. وأدانت باكستان استهداف مناطق فى أراضيها دون تنسيق استخباراتى مع إسلام آباد.
(2)
بدأ التحالف الباكستانى - الأمريكى بعد تأسيس باكستان مباشرة.. وفى الخمسينات كانت المساعدات الأمريكية قد بدأت فى التدفق على باكستان.. وفى أثناء الحرب الباردة أعطت باكستان الولايات المتحدة قاعدةً عسكريةً قرب بيشاور، كما منحتها مركزاً للبث الإذاعى ضد السوفيت.
وفى عقد الثمانينات.. كان التحالف الكبير من أجل دعم المجاهدين الأفغان الذين انطلقوا من باكستان برعاية من المخابرات الأمريكية والباكستانية. وبعد أحداث سبتمبر 2001.. تعاونت باكستان مع أمريكا تعاوناً كبيراً فى حرب أفغانستان.. ولم يكن ممكناً لأمريكا الحرب دون باكستان.
(3)
ثمّة جديد فى العالم اليوم.. إنه جديدٌ تماماً.. معادلة داعش وطالبان فى أفغانستان.. وهى معادلة تمتد عبر حدود كثيرة فى العالم الإسلامى.
تتحالف طالبان مع القاعدة وشبكة حقانى، وكلهم أعداء كبار لتنظيم داعش. المفارقة المذهلة هنا هى كالتالى:
تتهم أمريكا روسيا بدعم حركة طالبان، وتتهم روسيا أمريكا بدعم تنظيم داعش. تقول أمريكا إن صلات طالبان مع روسيا قوية، وهناك سلاح يأتيها من موسكو، وتقول روسيا إن استراتيجية ترامب تحدثت عن نهاية طالبان فى أفغانستان ولم تذكر نهائياً اسم داعش.. وأن داعش هى وكيل أمريكى جديد فى أفغانستان.. يستهدف فى نهاية المطاف روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة.
لقد تغيرت المعادلة السابقة بوجود داعش.. تتهم أمريكا باكستان بعدم مكافحة طالبان حليفة روسيا.. وأنها تحصل على المليارات ولا تفعل شيئاً.
(4)
هنا الصين.. لقد دخلت بكين على الخط دون تردد.. تحتاج باكستان للمساعدات وللتحالف، والصين مستعدة لذلك.
هناك الممر الاقتصادى الذى يمتد من «سينكيانج» فى الصين، وحتى ميناء «جوادر» قرب كراتشى فى باكستان. من القلب الصينى إلى شواطئ المحيط الهندى.
قامت داعش بتهديد الممر.. وأرسلت الصين عشرة آلاف جندى إلى باكستان للحماية.. ليصبح الجيش والاقتصاد قائماً على الأراضى الباكستانية.
تقول مراكز دراسات.. إن الجفاء الباكستانى الأمريكى لن يستمر.. فالنخبة الباكستانية وأموالها توجد فى أمريكا، كما أن أمريكا لن يمكنها العمل فى أفغانستان دون باكستان. ولكن السؤال الكبير هو: هل يمكن أن تمضى باكستان نحو تحالف جديد على أسس جديدة وقواعد جديدة مع أمريكا؟
إن باكستان تقترب من الصين، والهند تقترب من أمريكا.. كما أن باكستان الحليف الموثوق للسعودية.. بدأت التقارب مع إيران لأجل مواجهة التوتر مع أمريكا.. ولا أحد يعرف تماماً مآلات تلك التقلبات الجيوسياسية الضخمة فى تلك المساحة المهمة من العالم.
يا له من عالم صعب للغاية.. إن وضع السياسة الخارجية لأية دولة الآن لم تعد كما كانت فى السابق.. إنها تحتاج إلى العديد من العلماء ومراكز البحوث.. وإلى حشد من العقول الفكرية والاستراتيجية.. إن السياسة الدولية لم تكن يوماً أمراً بسيطاً.. ولكنها اليوم فى أعقد مراحلها منذ الحرب العالمية الثانية.
إنه ذلك السلاح الأسطورى: الدهاء.. دون أذكياء وماكرين.. دون دُهاة ومفكرين.. يصعب المرور وسط عواصف السياسة والاقتصاد.
العلم هو الحلّ.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر