كان مساعد مخرج فاشلاً فى قناة مغمورة، اليوم أصبح صاحب خمسة مراكز طبية ومحتكراً لمعظم البرامج الطبية المعلنة فى أهم القنوات الفضائية، وأرصدته فى البنوك تقدر بعشرات بل مئات الملايين. نموذج آخر لصيدلى من خلال البرامج الطبية المعلنة وفتواه فى الطب البديل واستغلاله لحاجة الناس للعلاج، مشروعاته أصبحت فى كل المحافظات وتقدر أيضاً بعشرات الملايين بل امتلك قناة فضائية يعمل فيها المشاهير. نموذج ثالث لطبيب حديث التخرج اشترى وقتاً فى إحدى القنوات الفضائية، خلال شهرين رفع قيمة الكشف فى عيادته من 50 إلى 750 جنيهاً، وبعد أن كانت خاوية من المرضى أصبح الحجز عنده بالشهور، نموذج رابع كان ضيفاً دائماً فى كل البرامج الطبية فجأة أنشأ أكاديمية للطب البديل، وبعد سنين طويلة اكتشفت وزارة الصحة أنه ليس طبيباً بل خريج تربية رياضية. أما عن أغرب إعلانات لا يمكن أن تشاهدها إلا فى مصر فهى إعلانات عن أخصائيين روحانيين لعلاج السحر والشعوذة وجلب الرزق والحبيب والصديق ورد المطلقة، لا توجد دولة فى العالم تسمح بهذا العبث بصحة مواطنيها الذى وصل إلى درجة إعلانات بيع الأدوية والأعشاب التى تعالج كل الأمراض ويتم توصيلها إلى المنازل بمصاريف الشحن، حتى الطباخين أصبحوا أطباء ويعالجون المواطنين على الهواء مباشرة. نماذج النصب الطبى كثيرة جداً لا يتسع المقال لذكرها، حينما كان لدينا إعلام محترم كانت هناك قواعد وشروط قاسية لظهور الأطباء على الشاشة، منها مثلاً أن يكون استشارياً أو حاصلاً على الأستاذية، وكانت هناك لجنة للصحة فى مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون يرأسها وزير الصحة أو من ينوب عنه وظيفتها مراقبة برامج الصحة ووضع قواعد صارمة لضيوفها، أما اليوم فأصبحت صحة المواطن حقل تجارب ومهنة من لا مهنة له من مُدعى الطب والإعلام فى ظل غياب تام للدولة.
البرامج الطبية مدفوعة الأجر تتاجر بآلام المواطنين وتستغل حاجتهم للشفاء من الأمراض الخطيرة، خاصة السرطانية، وكذلك لهفتهم على الإنجاب والتخسيس.. وفيات وكوارث كثيرة يومية بسبب هذه البرامج، فكل من هب ودب حتى لو كان بدون مؤهل وبأمواله يقول ما يريد ويُفتى بما يعلم وما لا يعلم، الإعلانات عن الأدوية والبرامج الطبية مدفوعة الأجر أصبحت أكثر من عدد السكان. الطبيب الذى يظهر على الشاشة وينصب على الناس ويكتب أرقام تليفوناته وعنوان عيادته على الشاشة مشهد لا يُوجد إلا فى مصر فقط، وللأسف الضحية هو الشعب الذى يعانى من الفقر والجهل والمرض وما زال يصدق كلام هؤلاء النصابين فى الفضائيات باعتبارها مصدراً للثقة. هذه البرامج هى سبوبة للقنوات وللعاملين فيها تحت سمع وبصر كل أجهزة الدولة وتواطئها أحياناً، ولا أحد يحاسب أحداً وكأنه لا أهمية لصحة هذا الشعب المسكين.
لذلك فإننى أناشد رئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بوقف الإعلانات عن الأدوية وكل البرامج الطبية المعلنة وبرامج السحر والأحلام والشعوذة فى كل وسائل الإعلام، وخاصة الفضائيات، وأن يتم إغلاق القناة التى تخالف ذلك رحمة بالمواطن المغلوب على أمره.