الظاهر أن تقدم المهندس موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، بأوراق ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة قد أعطى قُبلة الحياة لتلك الانتخابات، انسحاب بعض من كانوا ينوون الترشح ولم يتمكنوا من استكمال الشروط القانونية لخوض السباق الرئاسى أثار قدراً من السوداوية لسنا بحاجة إليها، وجود مرشحيْن متنافسيْن يوفر قدراً مناسباً من المنافسة أو شيئاً من المنافسة إذا ما قبلت نهائياً أوراق الترشح من الطرفين، البعض بادر بالقول إن الأمر ليس سوى مسرحية هزلية والنتيجة محسومة سلفاً ومقدماً، البعض الآخر رأى أن الرد المناسب هو الدعوة إلى المقاطعة، والاكتفاء بالنقد والبكاء على ديمقراطية لم تستكمل بعد، الرئيس لديه قدر كبير من الشعبية وهو فى السلطة وتحركاته الرسمية توفر له مساحة للتأثير ليست متوافرة للمنافس الآخر، ومع ذلك سيكون أمام الناخبين خياران، أحدهما يتحدث عن أفكار مستقبلية ومشروعات هى امتداد لإنجازات فعلية على الأرض، والآخر يتحدث عن برنامج ووعود وأفكار لم تختبر، على الصعيد الشكلى يبدو التكافؤ غائباً نسبياً ولكن ليس كلياً، وعلى الصعيد الشكلى أيضاً هناك فارق بين فكر اختبره الناس، وفكر جديد سوف يُسمع للمرة الأولى.
أصحاب الفكر الجديد حتى وإن لم يتم التوفيق بالفوز، سيحققون عائداً سياسياً ومعنوياً لم يحصلوا عليه من قبل، فالرأى العام وجموع المواطنين سيعرفون حزباً جديداً قديماً فى الآن ذاته، وسيسمعون عن أفكار كانت موجودة فى الأدراج خرجت للعلن ورأت ضوء الشمس، وبالتالى سيكون لدى الناخبين القدرة على المقارنة والقدرة على اتخاذ القرار بناء على معطيات فعلية وليس نوايا أو وعوداً فى المطلق، هذا فى حد ذاته أحد أبعاد التعلم فى الممارسة الديمقراطية، لكن يظل السؤال هل يكفى لمصر مرشحان يتنافسان على أعلى وأرفع منصب فى البلاد؟ ثم أين الأحزاب الأخرى وهى «أكثر من العدد فى الليمون» كما يُقال شعبياً وبعضها له عمر يزيد على خمسة وأربعين عاماً متصلة، ومع ذلك لم يستطع أى منها تقديم مرشح رئاسى قادر على المنافسة الحقيقية؟ ثم هل المناخ العام يقبل المنافسة الحرة أم أن هناك قيوداً تضعها مؤسسات أو جهات إدارية كما قيل بالفعل فى هذه المرة وفى مرات سابقة؟
أسئلة كثيرة وسوف ينتج عنها أسئلة أكثر فى الأيام المقبلة، ولذا فالأجدر أن نرى الصورة مكبرة وليست جزئية، وأن نضع بعض الضوابط المبدئية قبل أن ندلى بإجابات حاسمة، أهم وأول هذه الضوابط أن الحياة الحزبية فى مصر تعانى الكثير من الأمراض، بعضها نتاج سنوات عجاف سابقة، وبعضها الآخر نتيجة سياسات الحزب نفسه وعدم قدرته على التواصل مع الفئات الشعبية المختلفة، قبل 25 يناير 2011 كانت الأسباب معروفة وكلها تشير إلى مسئولية نظام مبارك والحزب الوطنى والأجهزة الأمنية فى وأد قدرة أى حزب أن يكون حزباً حقيقياً له امتداد فى الشارع وقادراً على المنافسة للوصول إلى السلطة بمستوياتها المختلفة، الأمر اختلف بعد رحيل نظام مبارك، كانت هناك مساحة من الزمن معجونة بحرية متاحة لكل من يريد أن يبنى حزباً أو لديه حزب سابق يعيد هيكلته فى أن يتواصل مع الناس وأن يقنعهم ببرنامجه السياسى الاجتماعى، وأن يدعوهم ليكونوا أعضاء فيه، وأن يبرهن على أنه حزب ديمقراطى يتبنى الأساليب التنافسية فى تنظيم عمله وفى تنشئة كوادره سواء فى الفروع أو فى الهيكل الأعلى للحزب، ومن ملاحظة الحالة الحزبية فى السنوات الست الماضية وبكل اطمئنان يمكن القول إن أياً من الأحزاب الموجودة لم يستطع أن يبرهن على مزيد من الشعبية أو مزيد من السلوك الديمقراطى الداخلى، والنتيجة أن القدرة على المنافسة السياسية، وهى الوظيفة الرئيسية لأى حزب سياسى ليست متوافرة، وكل الأحزاب تكتفى تقريباً بالفوز بعدد من المقاعد المحدودة فى البرلمان وتعتبر أن ذلك هو الغاية والجائزة الكبرى، مثل هذا التفكير ذى السقف المنخفض لا يبنى أحزاباً ولا يبنى حياة حزبية سليمة.
ثانى هذه الضوابط أن هناك بالفعل حالة ثقافية عامة فى المجتمع تنفر من الارتباط بالأحزاب السياسية، والمسئولية الأكبر على الأحزاب لكى تغير من مثل هذه الثقافة إلى جانب الدولة ومؤسساتها، هناك بالفعل قيود إدارية وسياسية ينبغى تجاوزها ومكافحتها وليس القبول بها وكأنها قدر حتمى، ما سبق ينطبق على كل الأحزاب دون استثناء.
ثالث الضوابط أن هناك مسئولية أكبر على ما يمكن وصفه بالأحزاب الجديدة التى نشأت فى ظل يناير ويونيو، فالجميع يتحدث عن مظلومية الشباب الذى قام بالثورة ولكنه ضاع فى الزحام ولم يجد أمامه سوى التذمر ودعوات المقاطعة والرفض لكل ما تقوم به سلطات الدولة المختلفة، بداية فالمظلومية لا تبنى حياة سياسية، ولا تدفع بلداً أو مجتمعاً إلى الأمام، النضال السياسى والارتباط بمصالح الناس الحقيقية هو الذى يفعل ذلك، لم نجد أى طرف يعلن انتماءه لـ25 يناير 2011 وقد قام بعمل مراجعة نقدية للنفس تعينه على اكتشاف نفسه واكتشاف الغير معاً، لم نجد جماعة أو حزباً قال إنه أخطأ فى كذا وكذا، لم نجد من بحث عن علاج لتلك الأخطاء الجسيمة التى ارتكبها، لم نجد من نقد خطيئة الاستعلاء على بسطاء الناس واحتياجاتهم الضرورية والأساسية فى الأمن والأمان وفى تيسير لقمة العيش وفى حركة بناء وفى مسعى لإصلاح هنا أو هناك، حين يتعالى البعض من السياسيين والنشطاء على محاسبة النفس ستضيع فرصة التواصل مع المواطنين فى القرى والنجوع والمدن الصغيرة قبل الكبيرة، حب الظهور الطاغى فى وسائل الإعلام وتوجيه النقد وإضفاء الظلام على كل شىء قد يجذب الغاضبين، ولكنه لا يصنع قوة قادرة على التغيير الحقيقى.
الكل يعرف قبل أربعة أعوام أن تلك الانتخابات مقبلة لا محالة، ومع ذلك لم يستعد أحد، وحين طالبنا قبل عام بالبحث عن أكثر من منافس للرئيس كان طلباً مشروعاً لبناء الديمقراطية التى يطالب بها البعض ويتصور أنها سوف تأتى على طبق من فضة دون جهد ودون عرق، الذين أشاعوا ويشيعون اليأس لدى قطاعات من الأجيال الجديدة يضرون أنفسهم قبل أن يضروا غيرهم، الانسحاب من أرض المعركة لن يضر سوى من ينسحب، الاكتفاء بالتغريد الباكى على تويتر والفيس بوك يجذب التصفيق الكاذب ليس إلا، الراغبون فى بناء أوطانهم لا يفعلون ذلك.