فلسفة المزاج العام وعلم نفس الجماهير وضمير المجتمع.
الانتخابات الرئاسية التى دخلت حيز الاهتمام المصرى العام والتركيز الدولى الواضح عكست نميمتها النخبوية فى أحاديث الصحفيين والمثقفين والفعالية فى الشأن العام وكذلك مصاطب الكلام فى العالم الافتراضى أو مواقع التواصل الاجتماعى أشياء تستحق التأمل ومحاولة الفهم أو على الأقل السعى إلى هذا الفهم.
بدا واضحاً أن ثقافة الانتخابات لدى النخبة وغيرهم تقف عند مفهوم «هندسة الانتخابات» إذا جاز التعبير، ويتحدثون أنه كان يجب إتمام مشهد انتخابى مسرحى يجمع العديد من الممثلين وبالتالى تصبح انتخابات.. مفهوم عبثى صريح.. لم يكلف أحد نفسه عناء الوقوف أمام حقيقة أن مصر دولة عمرها 7000 سنة ولكن انتخابات 2018 هى الانتخابات الرابعة فقط فى عمرها المديد.
الأمر الآخر هو عقد مقارنات مع ديمقراطيات غربية مستقرة منذ قرنين أو أكثر من الزمن وهو أمر يفتقد إلى عنصر سلامة القياس الذى هو سند أى مقارنة. مصر العظيمة مرت فى النصف الثانى من القرن الفائت وما مضى من القرن الحالى بتقلبات حادة لولا سر ثباتها ما كان استمر مسارها الإنسانى والسياسى والاجتماعى الذى نعيشه.
انتقلت من الملكية إلى الجمهورية وكان لثورة يوليو أحلام وأولويات دفع ثمنها العمل السياسى المصرى ثم تعرضت الأمة كلها للانكسار فى نكسة يونيو وتم تسخير الحياة كلها للمعركة ثم انتصرت وما كان لها أن تستكمل الانتصار إلا بإقرار معاهدة سلام وفيما بين كل ذلك تغير المجتمع استهدفت الطبقة الناشطة والرأسمالية الوطنية فى عمليات التأميم ثم انقلبت طبقات المجتمع مع انفتاح السبعينات ولم يستطع الرئيس السادات المضى فى منهجه الاقتصادى خشية الغضب الشعبى فوقفنا فى منتصف الطريق ماضين بالعقد الاجتماعى لثورة يوليو وما يحمله من فكر اشتراكى وبين واقع يفرض اقتصاد السوق الحر، وانتقل هذا الارتباك فى العقد الاجتماعى مع الرئيس مبارك الذى انقسم عقده إلى مراحل اتسمت كل مرحلة بطابع مختلف للعقد الاجتماعى، وفى القلب من كل ذلك كانت السياسة تموت والعمل السياسى الحقيقى بلا وجود والأحزاب كرتونية، وهو ما جعل جماعة إرهابية تستحوذ على مواقع الأحزاب فى الشارع، وجاء الخراب الحقيقى مع أحداث يناير وتعرضت الدولة لأشرس مخطط لإسقاطها ووصلنا للقاع عندما وصل الإخوان لحكم مصر، ثم جاءت ثورة يونيو وانطلق المشروع الوطنى المصرى بقيادة الرئيس السيسى بمحاور واضحة واستراتيجية معلنة وهى استعادة الدولة ومؤسساتها والانطلاق بعملية تحديث شاملة لها والحفاظ على أمنها القومى الذى لا يتحمل غفلة فى أى من اتجاهاته الاستراتيجية، مع تطوير العقد الاجتماعى بين الدولة والشعب كى تستطيع مصر البقاء.. وبين طيات الحلم ابتدعنا دستوراً عظيماً ولكنه يتجاوز الواقع وتحدياته ولا يتسق مع الحقيقة الجمهورية للدولة المصرية التى تجعل رأس الدولة المسئول الأول، سيطر على بعض نصوصه فوبيا الماضى فقاموا بمصادرة المستقبل لا سيما فيما يخص وجود حزب حاكم لرئيس الجمهورية، وهو أمر غير منطقى لأى عقل يتحدث أو يأمل فى وجود حياة سياسية وحزبية واقعية فى مصر.
مصر نجحت كثيراً فى السنوات الماضية والأرض اتعمرت بعد الخراب وأصبح لديها طموح وحلم يليق بها.. فقط علينا أن نصارح أنفسنا بحقيقة ما نريد فعلاً.. وللحديث بقية.