الجبان له «نص» الدنيا.. والجرى «نص» الجدعنة.. والجواز «نص» الدين.. أمثلة مصرية متنوعة تدور كلها حول فكرة الحصول على النصف: نصف الدنيا، أو نصف الجدعنة، أو نصف الدين. واللافت فى هذه الأمثال جميعاً هو حكاية «النص» تلك! فلماذا لا يكون ثلثا أو ربعا أو ثمنا أو حتى واحدا صحيحا؟ يبدو أن السر فى ذلك هو ضعف المصرى فى الحساب، فهو لا يدرى أن مجموع «الأنصاص» التى يحاول الحصول عليها فى كل مثل من هذه الأمثال يتفوق على الواحد الصحيح! لتصبح الدنيا: دنيا و«نص» أو ما يزيد، والدين: ديناً و«نص» وأحياناً أكثر!
قد يسأل سائل: ليه الجبان له نص الدنيا؟ الإجابة: لأنه ببساطة يمكن أن يتحمل أية إهانة، ويتخاذل عن الدخول فى أية مواجهات يمكن أن تتسبب فى خسارته، إنه حريص على أن يكسب دائماً، حتى ولو كان المكسب على حساب الكرامة، فكلما كانت لديك القدرة على «التلامة» صب ذلك فى رصيدك فى البنك أو فى «التحويشة» القابعة تحت البلاطة وهكذا. لقد عشنا ثلاثين عاماً فى ظل نظام تمتع بمهارات خاصة فى هذا السياق، وانتهى به الحال إلى فيض من الشتائم والسباب واللعنات التى صبها الشعب على المخلوع ورموز حكمه، ومع ذلك كان يخرج علينا ورجاله مستجدين البقاء فى الحكم، فالكرامة لا تهم، الأهم منها المحافظة على الأرصدة الحرام التى تراكمت فى البنوك وحجج الأراضى والعقارات. لم يبال مبارك ولا أولاده ولا رجاله بمهانة السجن، لأن الاحتفاظ بالمال أهم. ومن صدق إخلاص أبناء «مبارك» لهذا المبدأ حولوا الكثير من ورثة حكمهم وملكهم إلى مجموعة من «الِمتَلْحَمين» المستعدين لاحتمال أى شىء فى سبيل الاحتفاظ بما فى أيديهم.. انطلاقاً من أن الجبان له نص الدنيا!
الجرى كذلك «نص الجدعنة»، وهو مثل يقدس فكرة الهروب من مواجهة أى خطر، صغر أم كبر، ويحرص المؤمن به على الابتعاد عن الدخول فى أية تحديات، فالخير لك أن تجرى وتجرى حتى تهرب من الخطر، والأحمق الذى يفعل ذلك ينسى أن الخطر هو الآخر له سيقان يمكن أن يطلقها للريح فيلحق بك أيها «الجدع» ويفعل بك الأفاعيل! أما المثل الأخير الذى يذهب إلى أن «الجواز نص الدين»، انطلاقاً من أنه يعصم الفرد من الوقوع فى الغلط والمعصية، فأجده لا يستقيم مع ظروف العصر والواقع المعيش الذى أصبح الزواج فيه بالنسبة لأى شاب نص «بلوى»، إن لم يكن «بلوى» كاملة، بسبب العجز عن الحصول على عمل وسكن والوفاء باحتياجات أسرة. وقد أصبح من المضحك اليوم أن تقول لشاب: مش ناوى تكمل نص دينك؟ وهو لا يجد نص «غدوة»!