«الحاجة أم الاختراع» بعد أكثر من عشر سنوات من الحصار والعزلة استفاق سكان قطاع غزة على ديون متراكمة أثقلت كاهلهم وتهدد حياتهم ومستقبلهم، بسبب الفقر وضيق الحال وقلة الموارد أفلس الكثير من التجار ووجدوا أنفسهم مكبلين بالأصفاد قابعين فى السجون لعدم قدرتهم على تسديد ديونهم، والكثير منهم لم يجد قوت يومه ولا يستطيع إعالة أسرته فى وضع اقتصادى واجتماعى غير مسبوق عصف بالنسيج المجتمعى كله، من هنا تفتقت عن ذهن تاجرين من غزة حملة شعارها «سامح تؤجر» بعد أن أظلمت الحياة وأغلقت أبوابها فى وجه أرزاق المواطنين الغزيين سرعان ما تلقفها مجموعة من النشطاء المؤثرين وقاموا بتداولها والاتفاق على وسم # سامح- تؤجر لإطلاقه على مواقع التواصل الاجتماعى.
وجدت هذه الحملة صدى غير متوقع ومؤازرة من كل أطياف الشعب الفلسطينى للتخفيف عن بعضهم، بعد أن استنفدت المعاناة كل قدراتهم ونهشهم الفقر، فكانت أهداف الحملة نشر الحالة الإيجابية التى بدأها بعض التجار لتكون ظاهرة فى المجتمع الغزى والتخفيف من الاحتقان بين الناس نتيجة تراكم الديون المستحقة عليهم، بالإضافة إلى التخفيف من حدة احتقان الحالة الاقتصادية المأساوية التى وصل إليها قطاع غزة، خاصة بعد أن خصم الرئيس الفلسطينى 30% من رواتب الموظفين ليحول حياتهم المنكوبة إلى جحيم مضاعف، لم يستسلم أهالى القطاع لديكتاتورية ولى الأمر ويرضخوا لدفع فاتورة الصراعات السياسية، فحاولوا التعايش مع الوضع المتفاقم بنشر ثقافة التسامح والمحبة والمغفرة بين الناس، فى الوقت ذاته تصدر صورة إنسانية راقية عن تكافل المحاصرين فى قطاع غزة ومن العفوية البحتة سرعان ما انتشرت وتضافرت لتشكل فريقاً لتوجيهها.
عندما انطلقت الحملة انحصرت فى إطار ضيق ولم يكن متوقعاً لها النجاح والانتشار الذى حدث، وما ترتب عليها من تضامن اجتماعى رائع، فقد كان المستهدف من الحملة غير قاصر على الفقراء، بل يستهدف كل المواطنين بغض النظر عن مستواهم الاجتماعى، فالمعفو عنه يجب ألا يكون فقيراً إذا كان المسامح يبتغى الأجر والثواب، وبموازاة ذلك خُصص برنامج خاص بالفقراء ضمن نشاط الحملة يوجه فيه أى جهد أو مال تجاه هذه الفئة المحتاجة.
أجمل ما فى هذه الحملة أنها أطلقت عنواناً واسعاً دون تحديد أى آليات وتركت الباب واسعاً للناس بأن يفكروا بطرقهم الإبداعية وأساليبهم النبيلة فى المشاركة، الذى انعكس بشكل واع وراق، فكانت المسامحة فى الدين أو سداد الديون هدفاً واضحاً تضافرت معه كل أطياف الشعب الفلسطينى لإنقاذ سمعة تجار وأصحاب مصانع وحرف من الضياع وعوائل لأسر عديدة مهددة بالسجن، فى الوقت الذى تضغط فيه السلطة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً على أهالى القطاع لتضييق الخناق عليهم بسبب الصراع السياسى بينها وبين حركة حماس الحاكم الفعلى للقطاع، لم يميز الرئيس أبومازن بين المواطن المغلوب على أمره لإرضاخ حماس، وتجاهل مسئولياته الأخلاقية والسياسية تجاه شعبه بعيداً عن المناكفات السياسية التى أوصلت سكان القطاع إلى وضع معيشى فى الحضيض، فضلاً عن الظروف القاسية التى يعانون منها، كالخدمات الصحية وأزمة الكهرباء والوقود وشح الدخل والأهم السجن الكبير المحاصرون فيه منذ نحو أحد عشر عاماً «سامح - تؤجر» رسالة للسلطة الفلسطينية علها تدرك حجم الجريمة التى تقترفها بحق سكان غزة قبل فوات الأوان.