مثلما تظل مجهولة على مدى أيام السنة بأكملها، لتكتسب شهرة واسعة مع بداية الصيف، ينتهز بعض ممن يحسبون أنفسهم ضمن الشخصيات العامة المؤهلة لخوض الانتخابات الرئاسية فرصة «فتح باب الترشح» للمنصب الرفيع لينافسوا دعوات «التايم شير TIME SHARE» بالقرى والمنتجعات السياحية التى لا يسمع عنها أحد طوال العام.
فعلى مدى نحو 42 عاماً منذ أن فرضت علينا التعددية الحزبية فى العام 1976 بقرار رئاسى، ظلت الأحزاب السياسية -التى تجاوزت أعدادها الآن ما يقرب من 104 أحزاب- مجرد «تجمعات شللية» ليس لها أى وجود أو ثقل على الأرض، وتحولت إلى ما يشبه «قطع الفلين» التى تطفو على سطح المياه دون أن يكون لها أى امتدادات فى عمق المجتمع، بعد أن أصبحت معظم هذه الكيانات التى تسمى نفسها «أحزاباً» مجرد مؤسسات وإقطاعيات عائلية صرفة فور أن هبطت «الزعامة السياسية» بصورة فجائية على الزوجة والأبناء بل والأحفاد فى كثير من الأحيان، فأصبحوا قيادات وكوادر حزبية!!
ولهذه الأسباب ظلت «الأحزاب السياسية» عاجزة تماماً عن إفراز من يصلح للترشح للمنصب الرئاسى بدرجة سمحت لكل من يبحث عن شهرة أو ستار يختفى خلفه أو يخطط مستقبلاً لأن يحمل «كارت» فى جيبه «مرشح سابق للرئاسة»، بالإسراع بإعلان نيته فى التقدم للترشح طمعاً فى أن يظل محوراً لأحاديث المقاهى أو ضيفاً على البرامج التليفزيونية على مدى أيام طالت أم قصرت، على الرغم من قناعته الكاملة بعجزه عن جمع «توكيلات شعبية» تؤهله للترشح، فما بالك بقدرته على المنافسة!.
يبدو أن البعض رأى فى عجز «المؤسسات الحزبية» -إن كان يصح تسميتها مؤسسات- عن أن تفرز من يصلح للمنافسة على هذا المنصب الرفيع «رئاسة الجمهورية»، فرصة ذهبية لهم لمن ينتحل شخصية أو مهنة لا ينتمى إليها من الأساس فرأينا من يدعى انتماءه للقضاء مستشاراً، فى حين أن تاريخه يؤكد أنه لم يجلس فى يوم من الأيام على منصة القضاء بل إنه أُجبر على تقديم استقالته بعد تعيينه وكيلاً للنائب العام بسبب انحرافاته.. ومن يتقمص شخصية «المستشار القضائى» فى حين أنه لم يعمل أصلاً فى أى مهنة تقترب أو حتى تبتعد عن السلك القضائى حتى ولو كان «حاجباً لمحكمة أو سكرتيراً لجلسة قضائية» مع كامل احترامنا لهذه المهن الشريفة، وهو ما دفعه إلى إعلان انسحابه من الترشح على الرغم من أنه لم يحمل حتى لقب «مرشح محتمل للرئاسة» وهو ما أدى إلى «التجريف» من هيبة هذا المنصب..!
وربما كان العام 2005 عاماً فاصلاً فى هذا الأمر بعد أن سمح «التعديل الدستورى» وقتها بإجراء «انتخابات على المنصب» بدلاً من «الاستفتاء» كما جرت العادة منذ ثورة 1952 وهو ما دفع إحدى الشخصيات «الهزلية» من رؤساء الأحزاب وقتها للترشح للمنصب فى ذات العام نفاقاً للسلطة والرئيس ليخرج يوم «التصويت» من إحدى لجان الاقتراع ليؤكد لوسائل الإعلام حينئذ أنه أعطى صوته لصالح الرئيس «المنافس»..!
ويبدو أن حرص الدولة والرئيس السيسى على أن تكون هناك «تنافسية» واضحة فى الانتخابات المقبلة قد أغرت البعض لإعادة تكرار ما جرى فى العام 2005، إذ أقدم السيد البدوى رئيس حزب الوفد -الذى بات حزباً تاريخياً بلا مستقبل- على إعلان نيته فى الترشح إذ اعتبرها «البدوى» فرصة لنفاق الرئيس على الرغم من أن «الوفد» أعلن أن جميع تشكيلاته بالمحافظات تؤيد ترشح السيسى، بل إن «البدوى» نفسه قد أكد أن اعتزامه الترشح لا يعنى اعتراضه على السيسى -الذى ليس فى حاجة إلى هذا النفاق- إذ إنه لا يعد مسئولاً بأى حال من الأحوال عن غياب منافسين له فى هذه الانتخابات على قدر المسئولية. جميعنا يعلم أن أسباباً كثيرة حالت دون انخراط المواطنين فى عضوية الأحزاب السياسية رغم مرور كل هذه السنوات وتعدد «مسميات الأحزاب»، وفى مقدمتها إيمان المواطن بأن هذه الأحزاب إنما جاءت مجرد «ديكور» لتجميل واجهة الحكم أمام الغرب وبخاصة واشنطن التى كانت تحظى بقدسية خاصة من جانب أصحاب القرار ومؤسسة الحكم وقتها! واستمرت على حالها هذا على الرغم من مضاعفة أعدادها بعد يناير 2011..! وهو ما يلقى عبئاً جسيماً على الكيانات الحزبية الحالية أو المستقبلية لإعادة صياغة تقديم نفسها للمواطن فى صورة جديدة تتخلص بها من كل ما علق بتاريخها من صراع على المناصب القيادية بها والبحث عن مصالحها الخاصة دون التعبير عن إرادة وآمال الجماهير، ووقتها قد يلوح فى الأفق «وجوه سياسية قوية» تنتمى لأحزاب لها فى وجدان المواطنين شعبية كبيرة تتيح لهم ترشحهم للموقع الرئاسى.
إلى جانب هذه السلبيات التى تعلق دائماً بمواسم «الشير تايم الرئاسية» فى كل دورة فإن «عصابة الخمسة» -الذين تحوم حولهم سحب كثيفة من الشبهات- قد أقدمت على خطوة محاولة تشويه الانتخابات الرئاسية بـ«أسلوب ساذج» بعد أن توهمت قدرتها على إقناع الرأى العام بها ظناً من جانبها أنها تتمتع بمصداقية لديه فى حين أنها فقدتها تماماً، بدفع المواطنين إلى إعلان مقاطعتهم للانتخابات الرئاسية وهو ما يشبه محاولة إقناع أحد «الموتورين» بتشويه نفسه بـ«ميّة النار» حتى يمكنه إرهاب جيرانه فى المسكن..!
على كل حال فإن الرأى العام قد أصبح مقتنعاً تماماً بحتمية المشاركة وهجر «شرنقة المقاطعة» إيماناً من جانبه بضرورة إتاحة الفرصة للقائد الذى خضع لإرادة الجماهير لإتمام عملية بناء الوطن بعد أن نجح فى لملمة أشلائه.. بل وحقق من الإنجازات ما لم يكن أحد سيصدقه إذا ما كان قد أعلن عنها قبل تنفيذها.. ولك يا مصر السلامة دوماً.