ليس بوسع أحد إنكار أن حلم أوروبا العظمى هو أن تتحول إلى الولايات المتحدة الأوروبية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حلم بذلك عددٌ من كبار رجال السياسة فى أوروبا، أمثال: جيفورهوفيستات رئيس ألمانيا، وماكرون رئيس فرنسا، وتمنوا أن يضعوا نهاية للاتحاد الأوروبى فى صيغته المعروفة حالياً، ليتم استبدال الولايات المتحدة الأوروبية به، فتحدثا معاً فى كتاب صدر فى سلسلة «أصوات سياسية» عن أزمة أوروبا، ثم شرحا أيضاً العلامات المتناقضة التى يشاهدها المرء فى القارة العجوز، وتوقفا طويلاً أمام الأسباب التى جعلت نسبة من شباب أوروبا يقولون «لا» فى الاستفتاءات التى عصفت بالقارة العجوز.
ولا شك أن طموح الرئيس ماكرون هو أن يرى أوروبا قطعة واحدة لها نفس الأهداف ونفس السياسات.. باختصار أن تكون قطعة صمّاء تسير بكليتها فى اتجاه معين، وأن تفرض ذاتها كدولة على العالم كله ولا يهم أن تكون مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية التى تضم عدداً من الولايات، وكأنها قارة كاملة، ويتساءل «ماكرون» لماذا لا تكون أوروبا دولة بحجم قارة، وليكن اسمها «الولايات المتحدة الأوروبية». وقد شرح «ماكرون» أوروبا من لاهاى إلى بروكسل، باعتبار أن العاصمة البلجيكية هى عاصمة أوروبا، وبها منشآت الاتحاد الأوروبى التى يرى ماكرون أنها خطوة أولى لتشكيل الحلم الكبير وهو الولايات المتحدة الأوروبية، ثم غرق فى تعريفات عن أوروبا المجهولة، التى لا يحبها أحد، واستطرد فى حديثه مع الشباب عن منطقة التجارة الحرة، وأوروبا السياسية، مشيراً إلى مرجعية سماها خبرة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكنه يرفض رفضاً قاطعاً أن تكون أوروبا معصوبة العينين تسير وراء أمريكا وتحذو حذوها فى كل شىء!!
ولم ينسَ أن يتحدث عن أوروبا الجديدة كما يتمنى أن تكون، والعقبات التى تحول دون تحقيق ذلك، وتوقف «ماكرون» طويلاً فى حياته العملية أمام المهام الخمس لأوروبا الجديدة، ولم ينسَ أن يتحدث مطولاً عن التمويل الجديد لأوروبا الجديدة والدساتير التى تحكم النظام السياسى الأوروبى وما يُسمى بمنظمة الولايات المتحدة الأوروبية، وكذلك الاستفتاء من أجل أوروبا الموحّدة.
باختصار حرص ماكرون أن يجعل فترة حكمه هى الحد الفاصل الذى يجعل دول أوروبا تختلف عن قارة أوروبا، فهذا شىء وذاك شىء آخر، ولذلك لم يتردّد فى أن يجعل أوروبا تختلف عن أمريكا فى قضاياها الخارجية، وما اختلاف أوروبا بشأن القدس عن أمريكا إلا إحدى العلامات التى تدل على أننا أمام أوروبا جديدة ترفض أن تفكر أمريكا لها، وأن يكون قصارى جهدها أن تسير كالأعمى وراء الولايات المتحدة الأمريكية.
ليس من شك فى أن ماكرون يريد أن يترك حكم فرنسا بعد أن يكون قد نقل أوروبا كلها، وليس فقط فرنسا، إلى سياسات جديدة تعبر عن القارة ولا تعبر عن دولة بعينها.
إننا مع ماكرون أمام رئيس جديد ينتمى إلى جيل الشباب، ويود أن تكون القارة العجوز هى بيت القصيد فى تحركاته السياسية.