حينما كتبت المقال السابق حول برامج النصب الطبى كنت أتصور أنها مجرد برامج مدفوعة الأجر وسبوبة للأطباء وللعاملين فيها ولأصحاب القنوات، لكن بعد نشر المقال اكتشفت أن الموضوع أكبر مما كنت أتخيل، إنها مافيا وتجارة بصحة المواطنين، ربما أكثر ربحية من المخدرات والسلاح، وتؤثر على سمعة مصر الطبية عالمياً.
تلقيت اتصالات كثيرة ووصلتنى معلومات أكثر حول خطورة الموضوع، شجّعتنى على مواصلة الكتابة فيه مرة أخرى، كنا أشرنا إلى مساعد المخرج الفاشل الذى أصبح إمبراطور البرامج الطبية، يمتلك قصوراً داخل مصر وخارجها وشريكاً فى مراكز طبية أيضاً، علمت أن هناك مُعدّة برامج طبية أصبحت مالكة لقناة فضائية، ومُعدّاً آخر أصبح مالكاً لمصنع أدوية لعلاج البشرة الله أعلم إن كان مرخصاً أم لا؟ وكيف؟ ومن طبيب صغير إلى صاحب مراكز طبية فى كل التخصّصات، إنه عالم كبير بمئات الملايين، وللأسف الشديد لا تستفيد منه الدولة، ولو حتى بتحصيل الضرائب.
د. صلاح الغزالى حرب أكد لى أنه بُح صوته فى المطالبة بوقف هذه البرامج، لأنه يشاهد يومياً كوارث فى عيادته لضحايا هؤلاء النصابين من مُدّعى الطب، د. محمد عبدالوهاب، عالم زراعة الكبد، يقول: أصبت بنزلة برد فى اليونان، والصيدلى رفض إعطائى أدوية إلا من خلال روشتة من طبيب كبير.
د. خالد منتصر يقول: البرامج الطبية فى كل الدول، لكن تحت رعايتها ورقابتها الصارمة ويقدّمها كبار المتخصصين، وهدفها الثقافة الطبية التى تسهم فى الوقاية من الأمراض، وبالتالى تخفيض فاتورة العلاج والحفاظ على صحة المواطنين، وبرنامج «doctors» فى أمريكا أشهر من أوبرا وينفرى، د. حسن أبوالعينين، المدير السابق لمركز الكلى بالمنصورة، يرى أن الأمر خطير ويستحق وقفة حاسمة من الدولة، د. عصام عزوز، استشارى الجهاز الهضمى، يقول: طالبنا مراراً بتجريم برامج النصب الطبى وبيع الأدوية من خلال الإعلانات.
برامج النصب الطبى جزء من فوضى المشهد الإعلامى المصرى بشكل عام، والذى يفتقد الأب الشرعى، وقد حاولت معرفة المسئول عن غش المواطنين والنصب عليهم، وعلمت أن مدينة الإنتاج الإعلامى غير مسئولة عن المحتوى الإعلامى الذى تبثّه الفضائيات، كما أن الهيئة العامة للاستثمار دورها فقط منح تراخيص إنشاء القنوات، ثم اكتشفت أن المسئول عن ذلك ثلاث جهات، وهى وزارة الصحة، التى تكتفى بالمشاهدة مثلنا، رغم أن صحة المواطن مسئوليتها، وكذلك حمايته من النصب الطبى، ثم المجلس الأعلى للإعلام، لأن مهمته مراقبة المحتوى، وهو للأسف لم ولن يُحرّك ساكناً، أما المسئول الأخير هو جهاز حماية المستهلك، وهو مثل سابقه، شكل بلا مضمون، وأموال الشعب تُنفق بلا فائدة، لذلك حينما طالبت بتدخل رئيس الجمهورية شخصياً لوقف هذه المهزلة كنت محقاً، لأننى أعلم أن أجهزة الدولة لن تتحرك، فبعضها متواطئ مع المستفيدين من هذه البرامج على جثة المواطن.
ضيوف البرامج الطبية مدفوعة الأجر معظمهم عديمو الكفاءة والأخلاق، لأنهم يدفعون أموالاً مقابل الظهور الإعلامى، ثم يتقاضون أضعافها من المواطنين، مستغلين حاجتهم للعلاج.
أما أطباء مصر المحترمون وهم كُثر فلا يظهرون فى مثل هذه البرامج ولا يرضون لأنفسهم المشاركة فى هذه المهازل لأن سمعتهم الطبية أفضل دعاية لهم.
أتمنى أن يخيب ظنى السيئ وتتحرك وزارة الصحة والبرلمان والمجلس الأعلى للإعلام ونقابة الأطباء وجهاز حماية المستهلك لوقف هذه المهازل، حتى يشعر المواطن بأن حكومته تحترمه وتخاف على صحته، وأنه شارك فى ثورتين للقضاء على الفساد حتى يتغير بلده إلى الأفضل.