مسلحو هيئة تحرير الشام «النصرة» الممثلة للقاعدة، أسقطوا الطائرة الحربية الروسية SU-25 بصاروخ متطور، فوق منطقة سراقب بریف إدلب الجنوبى، شمال غرب سوريا، وقتلوا الطيار بعد هبوطه سالماً، روسيا لجأت لتركيا للتوسط واستعادة الجثمان، قبل قضائها على 30 مسلحاً فى غارة انتقامية.. موسكو تتغافل حقيقة استهدافها، وأنها تتعرض لعمليات انتقام؛ خسرت 4 طائرات هليكوبتر منذ تدخلها فى سوريا سبتمبر 2015.. لكن الأخيرة هى ثالثة مقاتلاتها، بعد الـSU-24 التى أسقطتها تركيا، ونظيرتها التى سقطت أثناء الإقلاع من قاعدة حميميم باللاذقية أكتوبر 2017.. تركيا تستهدف الطائرات الروسية فى سوريا، مباشرة أو بالوكالة؛ عن طريق التنظيمات المسلحة، المصالح تحكم السياسة التركية، وتحالفاتها متناقضة وانتقائية، فهى حليف أمريكا المتمرد، وحليف روسيا الخائن.. احذروا أردوغان، خليفة البغدادى.
روسيا نشرت نظام صواريخ «إس - 300» حول قاعدتها البحرية بطرطوس أكتوبر 2016، ما أثار استياء أمريكا، الغضب زاد عقب توقيعها لاتفاقية توسيع القاعدة البحرية الروسية الوحيدة فى البحر المتوسط بـ«طرطوس»، لـ49 عاماً قابلة للتمديد 25 عاماً أخرى، والسماح للسفن الحربية الروسية باستخدام المياه الإقليمية والموانئ السورية، تنفيذ عمليات التوسيع بدأ عقب تصديق البرلمان وبوتين ديسمبر 2017، وتم تشكيل مجموعة قتالية كاملة بقاعدتى طرطوس وحميميم.. روسيا تفرض هيمنتها على المنطقة خصماً من النفوذ الأمريكى، فكيف لا تتوقع تعرضها للانتقام؟!.
ضمن ترتيبات أستانة أنشأت روسيا منطقة خفض توتر بمحافظة إدلب، جمعت فيها عناصر «النصرة» والفصائل المؤيدة لها، ما ييسر القيام بعملية عسكرية للقضاء عليهم.. أسندت مسئوليتها لتركيا، بهدف توظيف علاقاتها مع التنظيمات المسلحة فى محاولة توسيع نطاق التسوية السياسية، أو تبرئة ساحتها من شبهة دعمها بتحجيم أنشطتها، إلا أن مصلحتها فى الضغط على سوريا، واقتضام أجزاء من أراضيها، حولتها لطرف معادٍ.. روسيا حمَّلت تركيا مسئولية نجاح التنظيمات المسلحة فى الهجوم على قاعدة حميميم بقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة، وقتل طيارين، وتدمير سبع طائرات عسكرية 31 ديسمبر، ما دفعها للتدخل المباشر، وتقديم الدعم الجوى واللوجيستى للقوات السورية للهجوم على إدلب.
قوات النظام بدأت هجومها على ريف إدلب الجنوبى 25 ديسمبر 2017، سيطرت على عشرات القرى والبلدات، ومطار أبوالظهور العسكرى، وطردت «النصرة» والفصائل المتحالفة، بعد عامين من سيطرتها، الغارات الروسية والسورية ازدادت كثافة منذ مطلع فبراير، وأصبح الجيش على بعد 11 كم من سراقب، على الأوتوستراد الدولى دمشق/حلب.. الفصائل المسلحة شكلت بريف إدلب غرفة عمليات للتنسيق فيما بينها، وذلك بعد فشل غرفتين سابقتين فى وقف تقدم القوات السورية، ما أجبر «النصرة» على الانسحاب وسقوط عشرات القرى فى أرياف إدلب وحلب وحماة، رغم الدعم التركى المباشر لها.
الخارجية التركية استدعت السفيرين الروسى والإيرانى لدى أنقرة، إلى مقرها 9 يناير 2018، للاحتجاج على انتهاكات النظام السورى لمناطق خفض التوتر، خاصة فى إدلب، وأبلغت نفس الرسالة عن طريق قنوات الاتصال العسكرية والأمنية مع الدولتين، أردوغان طلب تدخل بوتين شخصياً لسرعة وقف هجمات النظام على إدلب 11 يناير، ملوحاً بأهمية توفير فرص النجاح لقمة سوتشى وعملية أستانة، وزارة الدفاع الروسية ردت على الفور بمطالبة تركيا بمنع هجمات الطائرات بلا طيار المستخدمة فى استهداف مطار حميميم، التى تنطلق من إدلب، ما يعنى تضامنها مع الهجوم السورى، وكثفت الطائرات الروسية مشاركتها فى الغارات.. المقدم ريك فرانكونا الملحق العسكرى الأمريكى السابق بسوريا، حذر من أن إدلب كمنطقة محاصرة «كثيفة الأهداف»، تستهدفها قوة نيرانية كثيفة، أرضية وجوية، يؤكد أن سقوطها مسألة وقت، ما يفسر تكثيف تركيا لدعمها للتنظيمات المسلحة وتشجيعها على إيلام الروس أملاً فى كبح جماح الهجوم على إدلب، الخطورة فى كل ذلك، أنه مع الهجوم التركى على عفرين، ونظيره السورى المدعوم روسياً ضد إدلب يقع المدنيون ما بين المطرقة والسندان، خاصة أن وقوع المنطقة ضمن مناطق التهدئة جلب إليها أعداداً كبيرة من المهاجرين، ما يفرض مضاعفة جهود الإغاثة الدولية، لتخفيف معاناتهم.
روسيا تحاول ترجمة ثقلها العسكرى فى الحرب السورية، إلى دور سياسى يؤسس لنفوذ دائم بالمنطقة، ويحقق الأهداف الاستراتيجية من مشاركتها المباشرة، وهو قطع الطريق أمام الغاز القطرى، فى إمكانية الوصول لأوروبا، ومنافسة نظيره الروسى؛ نظمت مباحثات التسوية بأستانة، ومؤتمر «الحوار الوطنى السورى» فى سوتشى، تستهدف من خلالهما القفز على «مسار جنيف»، ومؤتمرات المعارضة السورية بالرياض، ما يفسر معارضة الدول الغربية، وضعف الاهتمام الأمريكى، ورفض معظم الفصائل المعارضة، وعدم تحمس إيران لتكريس حليفها الروسى لنفوذه خصماً من دورها، دى ميستورا عقد الجولة التاسعة لجنيف أواخر يناير فى فيينا، وشارك فى مؤتمر سوتشى 30 يناير 2018، تعثر مباحثات جنيف، نتيجة تعنت النظام والمعارضة يمنح الفرصة الذهبية لروسيا لفرض تسويتها، التى تستند لوجود قوى ومؤثر على الأرض.
روسيا ترتكب خطأين جسيمين.. الأول أنها لم تهتم بالبيئة السورية الحاضنة لوجودها، والضامنة لاستمرارها، حتى إنها لم تدع الحكومة السورية لإرسال ممثل رسمى عنها فى مباحثات أستانة أو فى مؤتمر سوتشى، واكتفت بممثلين عن حزب البعث الحاكم، وهى تتصور بالخطأ إمكانية صياغة الأوضاع السياسية فى سوريا، دون حكومتها، أو أن الشعب السورى يمكن أن يتقبل -بعد عبور الأزمة- سيناريوهات التغيير للدستور والحكومة من خلال الاحتلال الروسى؟!.. الثانى أنها تراهن على تركيا وإيران، وذلك ضد مصالح الأمة العربية، نظراً لأطماعهما الإقليمية، التمدد الإيرانى فى العراق وسوريا ولبنان واليمن تم بدعم روسى كامل، ومحاولات التمدد التركى شمال سوريا والعراق تتم متخفية وراءه، إهمال روسيا للأكراد أفقدها قوة محلية فاعلة، كان يمكن أن تلعب دوراً بالغ الأهمية، تركت لقمة سائغة للبراجماتية الأمريكية التى أخذت منهم الكثير، دون مقابل مجز، والغريب أن الأكراد بدورهم يخطئون الحسابات دائماً، فقد كان يمكن أن يكونوا حلفاء المواجهة العربية مع الأطماع التركية، لكنهم حددوا يناير 2018 موعداً لانتخابات المجالس المحلية بمحافظات الحسكة والرقة وحلب، فى إطار تطبيق «النظام الاتحادى الفيدرالى»، الذى أعلنت عنه «الإدارة الذاتية» مارس 2016، القرار أغضب السلطات السورية والرأى العام العربى وحكوماته، ما يفسر تجاهل الجميع لما يتعرضون له من عدوان فى عفرين.. قلناها ونكررها، السياسة الروسية فى المنطقة تحتاج لمراجعة شاملة، وهذا هو الفيصل فى إمكانية تحولها لقوة عظمى تفوق أمريكا بالمنطقة من عدمه، فهل لدى موسكو متسع لذلك، أم أن صوت الانتخابات يعلو على المصالح الاستراتيجية للدولة؟!.