يبدو أننا نحن المواطنين كنا «موهومين» بأن لدينا 34 وزيراً يديرون وزاراتهم ويخططون لخدمة المواطنين ورعاية مصالحهم، غير أننا أفقنا على واقع مرير بأن كل ما لدينا هم 33 وزيراً فقط بعد أن خرج الدكتور أحمد عماد الدين راضى «المفترض وزيراً للصحة» من بوابات «القصر الجمهورى» يوم 19 سبتمبر عام 2015 بعد أن أدى اليمين الدستورية ولم يعد حتى الآن..!
وقبل أن نبدأ البحث عن وزير الصحة فلنتفق بداية بأن السطور التالية لا تعكس قضية خاصة -كما تبدو من ظاهرها- بل على العكس تماماً تتعلق بمئات الآلاف، إن لم يكونوا ملايين المواطنين، من المرضى الذين لم يبق أمامهم سوى رحمة الله سبحانه وتعالى، بينما ينتظر معظمهم توقيع «طبيب مكتب الصحة» على شهادة وفاتهم، بعد أن اختفت من الأسواق نوعيات الدواء التى يقاومون بها استفحال المرض فى أجسادهم والتسبب فى آلام عنيفة لا تطاق..!
من بين عشرات الرسائل التى ترد إلىّ عبر الفاكس أو البريد الإلكترونى اخترت رسالة تئن سطورها ألماً وتقطر مرارة وتصرخ حروفها احتجاجاً فى مواجهة «وزير» يصر على تطبيق الحكمة الصينية الشهيرة بعد تعديلها لتصبح «لا أرى.. لا أسمع.. ولا أعمل لكننى -فقط- أتكلم»!!.. وإليكم الرسالة كما كتبها زميلى سلامة حسن، نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، الذى أصر على توقيعها كـ«مواطن» من بين 104 ملايين مواطن:
.. عبدالعظيم درويش
بعد التحية أود أن أذكركم بأننى أعانى منذ أكثر من خمسة عشر عاماً من مرض الشلل الرعاش «باركنسون»، حيث أعتمد طوال تلك السنوات على دواء «سينمت أو ليفوكار أو بيك ميرز»، إذ إن تلك المستحضرات تقوم بالعمل على استقرار حالتى الصحية.. ولا يخفى على أحد أن نقص تلك الأدوية يزيد من الحالة المرضية بشكل سيئ ويسبب كثيراً من الألم التى لا تُحتمل، بالإضافة إلى عدم القدرة على السيطرة على النفس طوال حياتى اليومية أو ممارسة حياتى بشكل طبيعى.
وفجأة ومنذ أكثر من 3 أشهر حدث نقص حاد فى تلك المستحضرات لدرجة «الندرة»، حيث إن الشركات المنتجة عزفت عن إنتاج تلك المستحضرات، وقمت بالبحث عن تلك الأدوية فى كافة أنحاء البلاد دون جدوى.. وأعانى الآن من حالة بالغة السوء ويأس شديد دفعنى إلى التقدم ببلاغ ضد السيدين رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة بقسم مدينة نصر أول تحت رقم 2738 إدارى بتاريخ 2-2-2018 حيث تقع عليهما المسئولية كاملة تجاهى كمواطن مصرى لتوفير الدواء الذى يحفظ حياتى، ولذا فإن عليهما ضرورة القيام بدورهما تجاهى وغيرى من عشرات الآلاف بل وربما الملايين فى سرعة توفير تلك المستحضرات وغيرها بشكل ملح وعاجل..
وإننى فى انتظار التوجيه من قبَلهما بما يلزم لحل سريع لحالتى، حيث إننى أعتقد أن صحة المواطن تعد أمناً قومياً..!
وتصل مدى المسئولية فى ذلك إلى السيد رئيس الجمهورية لأنه من المستحيل أن يعيش مواطن دون علاج، خاصة فى تلك الحالة الحرجة والمزمنة، وأخيراً أتمنى التدخل الحاسم والسريع.. ولكم الشكر.. مقدمه مواطن: سلامة حسن شحاتة.
إلى هنا انتهت صرخة المواطن.. وأقول للسيد وزير الصحة -الذى لا يزال غائباً ولم يعد- أن تقر بوجود مشكلة فإن ذلك يمثل أولى خطوات حلها.. ولأنك لا تعترف بأن نقص الدواء يشكل كارثة وليست مشكلة فقط.. فإنك أنت نفسك تمثل المشكلة الحقيقية لإصرارك على الغياب عن ممارسة مسئوليات منصبك وفى ذات الوقت تصر على شغله.. إضافة إلى أنه لا يغيب عن أى مواطن مدى ما يعانيه المرضى من إهمال واضح فى مستشفيات وزارة الصحة العامة التى تحولت إلى ما يشبه «العشوائيات».. فإذا كنا قد صبرنا على ما نعانيه فيها فلا يمكن أن يصبر «إنسان» على الألم الذى يحيل حياته -إن كنا نطلق على ما يعانيه لفظ حياة- إلى جحيم لا يطاق بسبب نقص «الدواء» الذى يُعالج به ويُسكت آلامه، خاصة أنه مستعد أن يسدد ثمنه كاملاً بشرط توافره، وإن كان من المنطق أن يتم توفيره له مجاناً باعتباره مواطناً يسدد اشتراكات التأمينات، إضافة إلى تحمله الضرائب..!
وللحق أقول إننى أقر وأعترف باعتبارى مواطناً من بين نحو 104 ملايين بأننى قد فشلت فى التوصل إلى سبب واحد فقط يدفع وزير الصحة إلى الاستمرار فى تحمل مسئوليتنا وأعبائنا ونحن مجرد مواطنين مستهلكين ولسنا منتجين.. أو مبدعين.. لا نعمل.. لا نفكر.. لا ننجز.. ولا نجيد سوى الشكوى من الألم والمرض من وجهة نظر حكومتنا، وهو ما يزيد من أعباء السيد الوزير!! خاصة أننا نطالبه بتوفير العلاج اللازم للحفاظ على حياتنا..!
الغريب أننا جميعاً أصبحنا لا ندرى كم عدد «الضحايا» الذين يجب أن يسقطوا حتى يقتنع وزير الصحة بأن تصرفاته خاطئة وتشكل خطراً على الأمن القومى، باعتبار أن تهديد «صحة المواطن» ومستقبل الأجيال الجديدة أمر فى غاية الخطورة لا يمكن السكوت عنه..!
لن نقارن تصرفات وزير الصحة مع مرضانا وصمته تجاه هذا الإهمال الذى يهدد حياتهم بتصرفات وزير المساعدات البريطانى فى حكومة «تيريزا ماى» الذى قدم استقالته من منصبه بعد أن تأخر عن حضور اجتماع لمجلس العموم البريطانى لمدة 4 دقائق فقط، حيث فاته سؤال تم توجيهه من المعارضة إليه، فما كان منه إلا أن أمسك بميكروفون الجلسة ليقول: «إننى أشعر بالخجل الشديد.. كان يجب أن أكون موجوداً للإجابة عن السؤال، لذلك اسمحوا لى بأن أتقدم باستقالتى».. وغادر الجلسة على الفور وعيناه مليئتان بالدموع وسط صيحات أعضاء مجلس العموم، الذين طالبوه بالعودة مرة أخرى والتراجع عن استقالته، إلا أنه أصر على المغادرة..! ذلك لإحساسه بالمسئولية لأنه جاء لخدمة المواطنين والعمل من أجل تسهيل معيشتهم وحل مشاكلهم فوقع فى المحظور بالنسبة له، وتأخر عن موعد جلسة برلمانية.. ولم يتأخر عن أداء مسئوليته على مدى 3 سنوات كاملة مثل النسخة المصرية..!