لا أحد يختلف على أن مبارك خلَّف وراءه تركة خربة بكل المقاييس، لا يُستثنى من ذلك مجال أو ميدان.. أضف إلى ذلك ما فعله المجلس العسكرى خلال الستة عشر شهرا بإدارته السيئة للبلاد، سياسيا وتشريعيا واقتصاديا واجتماعيا...إلخ، وهو ما أدى إلى مزيد من التخريب والتعقيد والتشابك للأزمات والمشكلات التى كانت موجودة. ويقف الرئيس مرسى حائراً لا يدرى ماذا يصنع ومن أين يبدأ، فهو حائر بين من يطالبونه بانتزاع صلاحياته كاملة من المجلس العسكرى وإلا فليعلن استقالته، وبين من يلحون فى ضرورة الاستجابة لطلبات الجماهير التى تمثل المعركة الحقيقية له؛ الفريق الأول يرى أن الرئيس لن يستطيع أن يفى بما وعد به جماهير الناخبين إلا بكامل الصلاحيات، وأن النهج «الإخوانى» الذى يقف فى منتصف الطريق فى التعامل مع هذا الوضع الملتبس سوف يحبط محاولات الرئيس فى أى عمل جاد يقوم به، أما الفريق الثانى فيرى أن الصراع مع العسكرى، خاصة فى هذه الفترة، سوف تكون عواقبه وخيمة على الجميع ولن يترتب عليه شىء جوهرى يخص مطالب الجماهير.
كلا المطلبين له وجاهته، لكن يجب أن نضع فى اعتبارنا أنه لا يوجد موقف سياسى إلا وله إيجابياته وسلبياته، وبقدر ما يتوافر أمام متخذ القرار من إيجابيات كماً وكيفاً بقدر ما ينحاز إلى هذا القرار أو ذاك.. المشكلة أن الرئيس مرسى لم يقم حتى الآن باختيار طاقم المستشارين والمعاونين الدائمين له، خاصة فى هذا الوقت الحرج.. نعم هو التقى العديد من الرموز الوطنية والشخصيات العامة، لكن تبقى المشكلة قائمة، وهى الحاجة إلى من يأخذ رأيه أو يستشيره أو حتى يتحاور معه بصفة دورية، وأظن أن هذا ليس قائما، فإذا ما وضعنا فى الاعتبار حجم التحديات الداخلية والخارجية التى يواجهها، فضلاً عن الطقوس والمراسيم والمقابلات التى لا تنتهى، لأدركنا أن الرجل فى مأزق حقيقى.
المشكلة الثانية هى عدم تشكيل حكومة حتى الآن، فقد كان من المفترض ألا تنقضى هذه المدة (24 يوما) منذ تولى الرئيس مهام منصبه، إلا وقد تشكلت الحكومة التى يناط بها القيام بتنفيذ برنامجه الانتخابى. لقد قيل أيام الأزمة بين مجلس الشعب «المنحل» والدكتور الجنزورى، إن الإخوان جاهزون بحكومة ائتلافية حال قبول استقالة أو إقالة حكومة الجنزورى، فأين هى هذه الحكومة؟ نعلم جيدا صعوبة اختيار الشخصيات المناسبة، وتحديد نسب الفصائل التى سوف تشارك، والتوجهات العامة التى ستلتزم بها الحكومة ومدى التوافق عليها، وتوزيع الميزانية وما يخص كل وزارة..إلخ، لكن التأخير فى ذلك ألقى بظلال من الإحباط على الشعب المصرى.
أدرك أن الإخوان لم يتح لهم فى الماضى أن يتولوا إدارة وزارة أو هيئة أو مؤسسة حكومية، وبالتالى فالتجربة مفقودة والخبرة غير متوافرة، ناهيك عن إدارة دولة كبيرة فى وزن وحجم مصر، علاوة على التركة الخربة التى ورثها الشعب المصرى عن نظام المخلوع. صحيح كان هناك أشخاص من الإخوان متناثرين فى هذه المؤسسة أو تلك ولهم تجربتهم وخبرتهم، لكن مسئولية إدارة الدولة شىء مختلف. وفى هذا الصدد، يمكن الاستعانة بأصحاب الخبرة والتجربة من الموجودين فى الجهاز الإدارى للدولة، خاصة أهل الاستقامة الذين لم تتلوث أيديهم بفساد مالى أو إدارى أو سياسى، والله المستعان.