قصة قارون، هى قصة من غرته الثروة أو الشهرة أو السلطة، وتحديداً من تمر به هذه الأيام ولا يعتبر، فليشرع فى إعادة حساباته الأخلاقية والإنسانية، ومن لم يقرأ القرآن الكريم من فترة، فليشرع فى قراءة سورة القصص وتحديداً الآيات من 76 إلى نهاية السورة، هذه الآيات التى تحكى قصة «قارون» تلخص لنا فتنة البحث المرضى عن المكانة، وهو اضطراب نفسى وسلوكى، له أعراضه؛ فهناك أشخاص باحثون عن المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية بشكل مرضى كما يقول علم النفس ويسعون إليها من خلال الشهرة أو المال أو السلطة، حتى لو تجاوزوا فى سبيل ذلك كافة الاعتبارات الأخلاقية.
وهذا السعى الموبوء نحو المكانة الشخصية هو ما جعل الكثير من كتاب الزهد فى كافة الحضارات والفلسفات يحذرون منها؛ لأنها يمكن أن تفضى إلى الهلكة الشخصية والجماعية، وأتذكر قول أحد التابعين عن فضل الزهد (الذى هو خلو القلب مما رأته العينان) والقناعة (التى هى خلو القلب مما لا تملكه اليدان) حين قال: «إننا فى راحة بال، لو يعلمها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف» وهو ما جعل بعض أنصار الصوفية الأخلاقية (البعيدة عن البدع) يقولون: «يا ربنا ليس من أمرنا إلا السكوت، يا ليتنا نرضى بما يعطى لنا حتى نموت، والمبتلى يا ذا العلا لا يبتغى إلا النجاة، فى يسرها وعسرها ملعونة تلك الحياة، نبينا إمامنا به نهتدى وبه نقتضى ورضاه من رضا الإله».
هذه الأيام أيام اعتبار بحق، قارون ليس قصة فى القرآن فقط، وإنما هو جزء من واقع نعيشه، قال له الناصحون: «لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين» أى المبالغين فى الافتخار بأنفسهم ظناً منهم أن عطاء الله لهم دليل رضا وحظوة، وإنما حقيقة هو جزء من الابتلاء؛ فالإنسان يبتلى بالمنع وبالعطاء، قال له الناصحون: «وأحسِن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين»، فقال فى صلف: «إنما أُوتيتُه على علم عندى».
إن كل «قارون» فى كل عصر فتنة لغيره، «قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثلما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم» ورد أهل العلم: «ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا، ولا يُلقّاها إلا الصابرون»
فأرانا الله فيه آية بعد أن خسف به وبداره الأرض، «وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن مَنّ الله علينا لخسف بنا»
ليس معنى ما سبق أن هناك ما يدعو أو يبرر التكاسل وفتور الهمم، لكن الحذر أن نتخذ وطننا ومجتمعنا مطية لتحقيق مكانتنا الشخصية.
سبحانه وتعالى يعطى من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن عِلة فعلِه، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله سبحانه، قد يعطى وهو يمنع، وقد يمنع وهو يعطى، وقد تأتى العطايا على ظهور البلايا، وقد تأتى البلايا على ظهور العطايا، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.