لا يشك أحد فى أن الرئيس محمد مرسى يريد أن ينجح. يتمنى، باليقين، أن يحقق فى أسابيع بعض ما ظل أبناء الوطن يتطلعون إليه لسنوات.
ولم يكن إعلانه عن برنامج المائة يوم إلا دليلاً على رغبته فى تقديم إنجازات ملموسة يخفف بها معاناة المصريين من خمس مشكلات ارتأى أن يبدأ بها هى الأمن والمرور والخبز والوقود والنظافة. ولم يكن إعلانه بدعة بل تجسيداً لما يُعرف مجازاً بشهر العسل، وهى فترة يسعى خلالها الحاكم الجديد إلى تحقيق نتائج طيبة تعزز ثقة الناس فيه وتوطد علاقته بالمجتمع. هذا لو كانت الظروف التى يتولى فيها مهامه طبيعية. لكن الرئيس مرسى تسلم الحكم فى ظل أوضاع غير طبيعية، يجب أخذها فى الاعتبار عند تقييم البرنامج. وهذا ليس التماساً لعذر وإنما توضيح لمشهد، فالرجل، وإن كان هو الرئيس، إلا أن يده مغلولة، كما أن جهات إدارية ما زالت تعادى التغيير أياً كان اتجاهه، فضلاً عن أن القضايا التى اختار أن يبدأ بها ليست سهلة، لا ينتظر منصف منه أن يحلها فى مائة يوم وإنما أن يخفف من حدتها وإيلامها ولو بقدر، ناهيك عن أنها لا تعبر عن كل هموم المصريين الذين باتوا يلقون يومياً فى ملعب الرئيس بقضايا عديدة نفد صبرهم منها.
وأشعر بتعاطف مع الرجل وهو يحاول أن يفى بوعوده فى الفترة الوجيزة التى حددها، ويزداد تعاطفى أكثر وأنا أرى تربصاً ببرنامج المائة يوم يدعو إلى الارتياب؛ فبعض المتربصين لديه وجهة نظر تعارض جماعة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسى الذى ينتمى إليه الدكتور مرسى بشكل عام. ولا أرى عيباً فى ذلك بل وقد أشاركهم الرأى فى أكثر ما يأخذونه على الإخوان، لكنى لا أفهم أن يتمنى مصرى الفشل لمصرى آخر فى أمر فيه مصلحة الوطن، ولا أعرف لماذا نختلف مع برنامج عمل يركز على حل مشكلات القمامة والمرور والوقود والخبز، فهل يا ترى باتت هذه القضايا مسائل سياسية وأيديولوجية كبرى دون أن نعلم؟
ويبدو التربص ببرنامج المائة يوم فى الصغيرة قبل الكبيرة. يكفى مثلاً متابعة العد التنازلى الذى تجريه بعض الصحف يومياً للبرنامج ضمن تغطية تحمل من النقد والسخرية ما يشى بأنها تنتظر اليوم رقم مائة لتعلن فشله وتعتبر ذلك مدعاة لأن يكون هو اليوم الأخير أيضاً بالنسبة للرئيس فى موقعه.
أتمنى لو أبعدنا قضايا المرور والقمامة والوقود والخبز والأمن عن الحسابات السياسية. ولو فعلنا هذا لأنقذنا أنفسنا أولاً ولساعدنا رئيساً يمثل اليوم كل المصريين على إنجاز مصلحة عامة وليست شخصية. ولنحسبها بالورقة والقلم، فمائة يوم تعنى 2400 ساعة عمل كاملة. ولو أن 25 مليون مصرى فقط شاركوا كمواطنين ومسئولين فى تنفيذ هذا البرنامج لكنا أمام 60 مليار ساعة عمل. تخيلوا 60 مليار ساعة عمل. كانت ستزيد إلى 120 مليار ساعة لو ارتفع العدد إلى 50 مليون مصرى. وهو بلا شك وقت هائل كان وما زال بمقدورنا أن نستغله لو مددنا أيدينا إلى بعضنا، بدلاً من أن نستعملها للأسف ضد بعضنا، خاصة أن القضايا التى يعالجها البرنامج لا علاقة لها بالمسائل الخلافية العويصة كالدستور والدولة المدنية وقرارات المحاكم. أما لو ظل الحال هكذا فنقيّم برنامجاً يحاول أن يعالج مشكلات القمامة والوقود والخبز على خلفية الفوارق السياسة التى تطغى على تفكيرنا، فلن نمكن هذا البرنامج من تحقيق ما يريده ولا حتى فى المائة يوم السادسة. قد تكون هناك عيوب فى البرنامج، لكن العيب الأكبر فى عدم مدّ اليد إليه.