رجال الحكم لا يتغيرون.. وكذا رجال المعارضة. تستطيع أن تستدل على ذلك من تأمل رد فعل بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الدولة العبرية على قرار الشرطة الإسرائيلية برفع توصية إلى النيابة العامة تتضمن لائحة اتهام لنتنياهو بتلقى رشاوى مقابل تقديم خدمات لرجال أعمال إسرائيليين، وخيانة الأمانة، والاحتيال، حتى خرج على الرأى العام الإسرائيلى بخطبة عصماء دارت رحاها حول ثلاثة أمور أساسية: أولها عطاؤه لإسرائيل وفضله على الشعب العبرى، وثانيها المؤامرة التى تحاك ضده، وثالثها أن الله معه!.
إنها ذات الثلاثية التى يلجأ إليها الحكام فى كل زمان ومكان عندما يواجهون باتهامات فساد وخيانة الأمانة التى أولتها لهم شعوبهم والاحتيال على الرأى العام والضحك على ذقن المواطنين. دائماً ما يفعل أمثال نتنياهو مثلما فعل حين تحدث عن دوره فى خدمة إسرائيل منذ أن كان ضابطاً صغيراً حتى وصل إلى منصب رئيس الوزراء، ثم يعرجون بعد ذلك على الحديث عن المؤامرة التى يتعرضون لها. وحديثهم هذا يحمل اتهاماً ضمنياً للأجهزة التى أدانتهم بالتآمر على الدولة، وهو أمر غير منطقى، لكن أمثال نتنياهو ليس لهم خطوط حمراء حين يتصل الأمر بالدفاع عن شخصهم، أما مسك الختام فى الخطب الدفاعية عن الذات الحاكمة التى اتهمتها جهات رسمية بالفساد، فيرتبط بالحديث عن اللجوء إلى السماء والحديث عن الخالق جل فى علاه، وأنه سيقف إلى جوارهم، وأن وقوف الله إلى جوارهم يعنى ببساطة أن الشعب هو الآخر معهم. تستطيع أن تخلص إلى ذلك من قول نتنياهو فى ختام كلمته إلى الشعب: «سأظل رئيساً للحكومة حتى نهاية دورتها، وسأنتخب مرة أخرى رئيساً للحكومة إذا شئتم، وشاء الله». أنعم وأكرم بالحنية والإنسانية!.
تعال بعد ذلك إلى المعارضة. الشاهد الرئيسى فى قضية «فساد نتنياهو» هو وزير المالية السابق، يائير لبيد، ويعمل حالياً رئيساً لحزب معارض. وقد ذكر فى شهادته أن نتنياهو مارس عليه ضغوطاً لتمرير قانون يخدم رجال الأعمال، لكنه رفض. والسؤال: لماذا لم يفضح «لبيد» رئيس حكومته عندما كان عضواً فيها؟. لقد اكتفى بالرفض عندما كان وزيراً فى حكومة الفاسد، لكن ضميره استيقظ فجأة بعد أن أصبح فى صفوف المعارضة. عندما كان جزءاً من هيئة الحكم، مر الأمر عليه مرور الكرام، لكن الوضع اختلف عندما خرج من حدائق السلطة إلى فضاء المعارضة. هنالك تذكر فساد رئيس الحكومة، وبادر إلى فضحه والشهادة ضده. اللافت أن الحزب الذى يقوده «لبيد» اسمه «هناك مستقبل»!. ولست أدرى ما نوع المستقبل الذى يخبئه هذا النوع من الأداء؟
شعوب الأرض تائهة بين الحكام والمعارضين. الفارق بين شعب وآخر يتعلق بأمرين: أولهما امتلاك الدولة التى يعيش فيها لمؤسسات قادرة على محاسبة الفاسدين، بغض النظر عن مواقعهم أو مناصبهم، ودون اعتبار لوجودهم داخل دائرة السلطة أو خارجها. وثانيهما هيبة الشعب، فكما أن للحكام هيبة، فإن للشعوب هيبة، وهيبة أية دولة تساوى حاصل جمع الهيبتين. عندما تمتلك الشعوب الهيبة يتعلم الحكام والمعارضون كيف يحترمون عقول أفرادها دون تلاعب بالحقائق الموجودة على الأرض أو التدثر برب السماء.