في عام 1969 احتفلت مدينة القاهرة بعيدها الألفي، فقرر«ثروت عكاشة» وزير الثقافة في ذلك الوقت الاحتفال بهذه المناسبة ولكن بشكل ثقافي، فعهد إلى الكاتبة «سهير القلماوي» بإقامة أول معرض للكتاب تحت رئاستها ورعاية وزارة الثقافة.
بالفعل تم إنشاء أول دورة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بمشاركة كافة دور النشر المصرية الحكومية منها والخاصة، بالإضافة إلى دور النشر العربية والأجنبية وقد لقيت الدورة الأولى إقبال جماهيري كبير، الأمر الذى جعل منه حدث هام يقام في الفترة من 27 يناير وحتى 10 فبراير من كل عام.
انتهت منذ أيام قليلة الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التى جاءت تحت شعار«القوة الناعمة.. كيف؟!»، وشخصية المعرض لهذا العام الكاتب الراحل «عبدالرحمن الشرقاوي»، وجمهورية الجزائر كانت ضيف شرف المعرض.
أجمع العديد من الأصدقاء أن دورة المعرض لهذا العام كانت الأفضل على الإطلاق في تاريخ معرض الكتاب فى حين أصر الأصدقاء الذين يكبرونني في السن والخبرة أنه لم يتغير: "هو كده من زمان وعمره ما هيتغير".
بسبب هذا الخلاف السابق وبعد خمس سنوات من الانتظام فى زيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ قررت تسجيل رحلتي اليومية ومشاركتها من خلال هذا المقال، بعد أن قمت بزيارة المعرض ثلاث مرات خلال تلك الدورة.
من أهم الأهداف التى أضعها على رأس أولوياتي كل عام؛ زيارة الجناح الخاص ب «الهيئة العامة للكتاب»، لما تحتوي من إصدارات متنوعة فى كافة المجالات، والأعمال الكاملة لبعض الكتاب مثل «عبدالرحمن الشرقاوي، سيد حجاب، عبدالرحمن الأبنودي والأديب صبري موسى»، بالإضافة إلى الإصدار الأهم من وجهة نظري وهو الكتب التى تصدر تحت عنوان «سلسلة الجوائز»، التى تجمع كافة ألوان الأدب العالمي بأسعار مناسبة جدا، مما يساعد القراء على اقتناء أكبر عدد من الكتب المفضلة لديهم.
أثناء تلك الجولة الهامة داخل جناح الهيئة العامة للكتاب تشعر من اللحظة الأولى أنك بداخل مؤسسة حكومية عريقة غارقة فى الروتين، ومن يعملون بها مجرد موظفين يؤدون عملهم اليومي بالجلوس على المكاتب حتى تنتهى ساعات العمل، فلا تجد من يدلك على مكان هذا الكتاب أو تلك الرواية، ليست هناك وسيلة للمساعدة سوى أن تتبع اللافتات التي تصنف الأعمال المتاحة، وبالرغم من ذلك لا مانع أن تجد على أرفف كتب الشعر روايات!
هكذا الحال أيضا في جناح «مكتبة الأسرة»، بل الأمر أكثر سوءا هذا العام؛ فلا يوجد لافتة واحدة تدل على تصنيفات الكتب وأماكنها، فالكتب ملقاه على أرض القاعة فى مشهد أبعد ما يكون عن الثقافة والتحضر. أعلم علم اليقين أن الزائرين يشاركون فى هذا الإهمال بطريقة أو بأخرى؛ فالبعض يأخذ هذا الكتاب ويضعه في مكان تلك الرواية وهكذا، ولكن لماذا لا أشاهد هذه الصورة الفجة للإهمال في الأجنحة الخاصة بالمكتبات العربية والمصرية الخاصة؟! ،ألا تستطيع تلك المؤسسات الحكومية قبل بداية فعاليات المعرض أن تعلن عن حاجتها لمجموعة من الشباب للعمل بشروط محددة ومناسبة تليق بالمكان والمجال؟!
الأمر الذى يثير دهشتي كل عام داخل دور النشر الحكومية والذي يدل على تكرار الأخطاء وأن الأمور لا تتغير هو نفاذ بعض الأعمال، فهذا العام على وجه التحديد فى كل زيارة ذهبت لأبحث عن رواية بعنوان «هكذا كانت الوحدة»، وحين سألت أحد الموظفين عنها أجابني بهدوء: "خلصت من أول يوم ومجتش تاني"، لا أعلم كيف لمؤسسات عريقة تشهد هذا الإقبال كل عام أن تعجز عن توفير كميات مناسبة من الكتب حتى نهاية الدورة المحددة للمعرض.
ثم تبدأ الجولة الأصعب على الإطلاق بين صالات وقاعات المعرض للبحث عن باقي المكتبات ودور النشر العربية والمصرية أيضا؛ فتلك القاعات لا يعبر عنها سوى لافتات معلقة على جدرانها بالخارج توضح رقم الصالة أو أسم القاعة أما عن ما بداخلها فلا يوجد شئ يدل عن ذلك المحتوى، وما يزيد الأمر سوء أن دور النشر الموجودة بداخلها لا يعلم أى منهم عن الآخر شئ فتصبح جملة "مش عارف والله" هى الإجابة الوحيدة طوال الجولة وإذا وجدت من يستطيع مساعدتك بالإجابة الصحيحة فأعلم أنك حتما سعيد الحظ، هذه المعاناة تعيدني إلى التساؤل مرة أخرى لماذا لا توضع لوحات داخل تلك القاعات أو خارجها يكتب عليها أسماء كافة دور النشر والمكتبات الموجودة بداخلها؟!
وعن مشكلة المعرض فى كل عام هى عدم وجود عدد كافي من المقاعد لالتماس بعض الراحة أثناء تلك الجولة الطويلة ولا يوجد أيضا مكان واحد تستطيع أن تترك فيه مشترياتك من الكتب التى تحملها معك طوال الرحلة، ولكن للحق هذا العام تم توفير بعض الخدمات العامة بشكل أكثر مثل المطاعم ودورات المياة ولكنها موزعة بشكل عشوائي جدا، ومن الممكن أن تخصص لها مساحة محددة من المعرض مما يساعد على تنظيمها بشكل يليق بالمكان والحدث.
من أهم مميزات دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام هو وجود مجموعة شباب من الجنسين يعملون كمتطوعين لمساعدة الزائرين فى كل مكان داخل المعرض، الأمر الذى يبشر بعقول وطاقات تقدر قيمة الحدث بصفة خاصة وتقدر العمل فى المجال الثقافي بصفة عامة وأن هذا الجيل على درجة كبيرة من الوعي، بالإضافة أيضا إلى مواقع التواصل الاجتماعي التى لعبت دور هام هذا العام من خلال الصفحات الرسمية الخاصة بإدارة المعرض وبالهيئة العامة للكتاب وكذلك الهيئة العامة لقصور الثقافة، فقد قامت هذه الصفحات بتغطية الأحداث اليومية لفعاليات معرض الكتاب من حفلات توقيع وندوات وأهم الإصدارات الموجودة الأمر الذى ساهم فى زيادة الإقبال على زيارة المعرض من القراء.
كما شهد معرض الكتاب لهذا العام حضور العديد من الكتاب من خلال الدعوات الرسمية الموجهة لهم لحضور الندوات، أو من خلال حفلات التوقيع الخاصة بدور النشربالإضافة إلى الكتاب الذين حرصوا على التواجد اليومي فى معرض الكتاب، وقد التقيت منهم «الأستاذ محمود عبدالشكور، والكاتب إبراهيم عبدالمجيد، والكاتب الفلسطيني ربعي المدهون»، هذا الإقبال من الكتاب والنقاد أيضا وبعض الفنانين حقق الهدف من شعار المعرض؛ وهو أن القوة الناعمة دورها لا يقتصر على الكتابة أو تقديم الفنون فقط بل على التواجد بين صفوف الجماهير ومناقشة أعمالهم من وجهات نظر متعددة لتحقيق هدفها بقوة وسرعة أكبر.
أهتمت الدولة أيضا بالتغطية الإعلامية لفعاليات المعرض اليومية من خلال قناة النيل الثقافية ولكن تلك التغطية كانت مقتصرة على بعض حفلات التوقيع ولقاء بعض الكتاب والاستماع إلى آراء الزائرين المتكررة كل عام، فالجمهور الذى يهتم بزيارة المعرض يحتاج إلى تغطية تفاصيل أكثر بالإضافة إلى المعلومات السابقة؛ ومنها على سبيل المثال العروض التى تقدمها دور النشر فى صورة خصم لتقليل الأسعار ومساعدة القارئ على اقتناء أكبر عدد من الكتب التى يحتاجها ولكن للأسف تلك الأخبار لا تجد طريقها إلى القراء إلا بالصدفة، وبالنسبة لحفلات التوقيع والندوات الهامة فالبعض لا يعلم عنها شيئا إلا بعد حدوثها.
فما المانع من أن تقوم الهيئة المسؤولة عن تنظيم شؤون المعرض بمعرفة مواعيد حفلات التوقيع وخطة البيع والشراء لدى دور النشر وتقوم بنشرها بطريقة مكتوبة عن طريق كتيبات توزع على الزائرين، أوبطريقة مسموعة من خلال البرامج؛ لكى يستطيع الزائر تحقيق أكبر فائدة من الحدث وتحقق تلك الفاعليات والخدمات الرواج المطلوب والإقبال المنظم على المعرض.
لازال هناك العديد من التفاصيل عن هذا الحدث الهام تحتاج إلى مقالات لشرحها، ولا استطيع أن أقول بوضوح هل كانت تلك الدورة هى الأفضل على الإطلاق أم لا، ولكني أؤكد أن معرض القاهرة الدولي للكتاب سوف يشهد كل عام المزيد من الإقبال؛ فقد أصبح منذ إنشائه ظاهرة حضارية هامة بالنسبة للمصريين تجدد دماء الثقافة والوعي لديهم أمام العالم، وفرصة للتعرف على العديد من الثقافات المختلفة التى تشارك بكتاباتها من خلال دور النشر العربية والأجنبية، بالإضافة إلى أنه ملتقى هام وفرصة تجمعهم بالنقاد والأدباء من جنسيات مختلفة. فى النهاية أريد أن أؤكد على انتظاري للدورة القادمة بنفس اللهفة من الآن ولكن دورة العام القادم هى بالفعل الأهم فى تاريخ معرض القاهرة الدولي للكتاب، فهل تملك وزارة الثقافة بشكل خاص والدولة بصفة عامة الخطة والاستعدادات التى تليق باليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب؟!