تواجه مصر حرباً ضروساً مشنونة عليها من اتجاهات عديدة، تبغى مصادرتها ومصادرة خروجها من عنق الزجاجة لترميم حاضرها مما أصابه من سنوات سابقة وصناعة مستقبلها بما يتوازى مع مكانتها بين العرب وفى أفريقيا وعلى الصعيد العالمى.
على أن هذه الحرب الضروس لا تأتينا فقط من قوى عالمية، ومن تسللات تستهدفنا من الغرب والشرق والجنوب، وإنما تعانى مصر من بعض بنيها الذين شردوا وخلعوا ثوب الوطنية، وجعلوا يدبرون لإيقاف مسيرتها وزعزعتها بالقتل والاغتيال والحرق والتدمير وإهلاك الناس والزرع والضرع، وهم فى سبيل خدمة مآربهم يروّجون لمقولات ينخدع بها سليمو النية، ويتلقّفها من يجارون هذه المخططات لأغراض مختلفة لإجهاض مصر وهدمها!
العمليات العسكرية الشاملة الجارية
استقبل جميع المصريين الخلصاء أنباء العمليات العسكرية الشاملة البرية والجوية والبحرية لاستئصال الإرهاب بالرضا والترحاب، وطفقوا يتابعونها ساعة بساعة، بعد أن عمّ البلاء من هذا العنف والإرهاب الأسود، ولم يعد فى قوس الصبر منزع، وشاركهم فى هذا الشعور كل المحبين لسلام العالم والإنسانية، الرافضين للإرهاب الذى لا وطن ولا دين له، ويتابع هؤلاء وأولاء البيانات المصرية العسكرية المتتالية التى بيّنت الهدف والغاية، مشفوعة بخط سير هذه الحرب الضروس لإنقاذ مصر والعالم من هذه الشرور، وتميزت هذه العمليات بالشمول لغلق كل منافذ الهروب والفرار والتسرب التى يلجأ الإرهابيون إليها كلما ضاق عليهم الخناق فى موقع ما.
تركزت العمليات فى وسط وشمال سيناء، وفى الدلتا، وفى الظهير الصحراوى غرب وادى النيل، وفى الوقت الذى لاقى فيه الترحيب المصرى بالعمليات تأييد الأزهر الشريف ودار الإفتاء والكنيسة المصرية، وكثير من القوى والهيئات المحبة للسلام، المقدّرة للدور المصرى فى التصدى للإرهاب بهذه العمليات العسكرية الاستباقية التى تهدف إلى تأمين البلاد والعباد، وتتصدى لمشروع الشر الذى يبغى إسقاط الدولة الوطنية واستنزاف مصر واقتصادها وجيشها وأمنها، وتقتيل أبنائها وإهلاك مقوماتها؛ إذا بأصوات نشاز لا يجمع بينها إلا إرادة الشر بمصر وشعبها، وإجهاض النهضة التى بدأتها، وتركيعها لحساب الممولين بالسلاح والمال، خُفيةً أو جهراً؛ إذا بهذه الأصوات النشاز تخرج لبثّ سمومها وعرقلة المسيرة المصرية.
لم تخلُ الساحة ممن يفتعلون الاعتراض، ويصطنعون الحكمة والإخلاص، يعتسفون تساؤلات سقيمة عقيمة ومريضة: لماذا هذه العمليات؟! ولماذا الآن؟! ويتوارون وراء مصطنعاتهم لبثّ سمومهم، وعرقلة الجهود المخلصة المبذولة لبناء مصر وتصفية الإرهاب الأسود الذى يضرب فى كل باب!
الأمن القومى وتبعاته
ووسط هذه الضلالات والتضليلات التى يمارسها المتربصون بمصر افتقر المتلقفون إلى فهم معنى الأمن القومى ومقتضياته، وأنه يحتل المرتبة الأولى ويسبق جميع الاعتبارات، فلا أمان لشىء، ولا بقاء لدولة وحماية لشعبها، ولا لمصالحها العامة والخاصة، ولا لأرواح المواطنين والوافدين إليها للعمل أو للسياحة إذا ما تُرك الأمن القومى مهدَّداً.
وهذه المبادئ العامة لا يختلف عليها عاقل، ولا يتجاهلها إلا عدو أو منافق، فكم من أحداث جسيمة سالت فيها دماء المصريين، وفقدت مصر وتفقد فى مسلسل مؤسف أرواحاً عزيزة لأبنائها، فضلاً عن أرواح زائريها، وصار مؤكداً أن وراء ذلك جماعات الإرهاب والقتل والنسف والتدمير، على اختلاف مسمياتها، بحيث صارت مواجهة هذا الإرهاب «دفاعاً مشروعاً» السكوت عنه غير مقبول، ومواجهته أوجب، ذلك أن الدفاع المشروع هنا ليس دفاعاً فقط عن روح شخص أو ممتلكاته، وإنما هو دفاع عن أرواح عديدة ومرافق عامة فى عنق مصر حمايتها والذود عنها، ولا يتأتى ذلك إلا بمواجهة هذا الإرهاب الأسود والتصدى له والقضاء عليه وتجفيف منابعه!
لم يعد سراً أن مصر مستهدَفة بالمال والسلاح، وبالعنف والإرهاب، ولا بات سراً من يمولون ومن يمدون بالسلاح وإن استخفوا وادّعوا خلاف ما يبطنون ويفعلون!
ولم يعد سراً المحاذير والأخطار التى تستهدفنا من حولنا، ولا تدفق المقاتلين الأجانب للاشتراك فى العمليات الإرهابية التى تستهدف الأرواح والممتلكات، ولا عاد سراً الأطراف الدولية الكبيرة والصغيرة والصغيرة جداً!! التى تدير هذا التعدى الغشوم، ولم يعد سراً الطوق الذى يبث الإرهاب ومعداته من حولنا، من الشمال الشرقى، والشرق، ومن الجنوب والغرب، ولم يكتفِ تسريب الشر بظاهر الأرض، وإنما ابتُدعت له أنفاق طويلة تحت الأرض، واستهدفت الشواطئ الطويلة للتسريب، واستغلت ما أحاط بليبيا فيما سُمى جهلاً بالربيع العربى كقاعدة لبثّ تدفقات السلاح إلى مصر، والأسلحة الثقيلة والصاروخية والمتطورة، والمركبات المجهزة، بعد أن انفرط الأمن فى ليبيا، فضلاً عن كميات الأسلحة الضخمة التى تم الاستيلاء عليها إثر سقوط نظام القذافى، وتنوعت المسارب بين الشمال الشرقى والشرق والغرب والجنوب، لمحاصرة مصر بهذا الإرهاب الأسود!
إن دراسة خريطة البؤر الإرهابية تؤكد أن الخطر محدق من حولنا، وأن التفطن إليه واجب، وأن التصدى الحالى والاستباقى أوجب.
ما يحدث فى سيناء، وفى الدلتا وفى الوادى وفى الظهير الصحراوى، مساس خطير بأمن مصر القومى، ومواجهته الاستباقية لازمة لا يعترض عليها إلا عدو أو دخيل أو خائن أو عميل منافق!
واضح جداً أن مصر مستهدَفة، والنظام فيها صار مستهدَفاً بعد إخفاق من أرادوا لمحنة حكم الإخوان أن تستمر، ولا يرضيهم أو يحقق أطماعهم نظام يعمل لمصر لا لغيرها.. ومصر مفتوح عليها معارك على جميع الجبهات الجغرافية، والداخلية أيضاً.. والأخطار المحدقة من حولنا نشطة يحمل كل منها مآربه وأساليبه التى تتجمع على ضرب مصر وشعبها.. فمع الخطر الإسرائيلى الجاثم الموصول الآتى من شمال الشرق، انفجرت مؤامرات الإرهاب والقتل والترويع والتدمير فى سيناء، وهى لا تُخفى تعاونها مع الإرهاب فى الداخل لإنهاك الشعب المصرى وترويع بنيه، وإسقاط الدولة.
ومن الجنوب، وإن لم يكن بذات القدر، تتوالى المخاطر على التراب الوطنى فى تهريب الأسلحة عبر دروب الصحراء وتضاريس الجنوب، وهى أسلحة تتجه إلى دعم الإرهاب النشط من الداخل، لتعطيه قبلة الحياة، وتعاكس نجاح المقاومة المصرية المبذولة من دماء الشعب وقواته فى استئصال شأفته، ومحاصرة جرائمه.
ولم يعد خافياً العلاقات المتشابكة القائمة بين هذه الجماعات الإرهابية، سواء فى سيناء، أو فى ليبيا، أو فى الداخل المصرى.. مما يعطى أبعاداً وتضاعيف عديدة للحرب الضارية التى تخوضها قواتنا المسلحة دفاعاً عن مصيرنا وحياتنا.
إنما الهزائم بالتراجع والخذلان!
الذين يتنطعون ويتقعّرون يتجاهلون أن منطقهم يؤدى للقضاء على مصر، فالهزائم ثمرة للاستخدام والتخاذل والتراجع عن القيام بالواجب، فهذا التقهقر لا يفرز إلاّ الهزيمة المحققة وضياع الأخضر واليابس، وهذا واقع يدركه كل من يتأمل فى صنوف وأحوال الحياة، وفى دروس وعبَر التاريخ، وعلى من يريد أن يتبين مخاطر هذا التخاذل وآثاره المدمرة أن يرجع إلى مذكرات السياسى الإنجليزى الأريب «ونستون تشرشل» عن الحرب العالمية الثانية، وكيف أن الحلفاء فقدوا كثيراً فى مدافعتهم للنازية والفاشستية من جرّاء التخاذل فى مواجهة الخطة الألمانية الكاملة التى أعدها هتلر لغزو بلجيكا وهولندا وفرنسا، والاستيلاء على إقليم السوديك التشيكى، وتعاقب غزوه المسلح لأوروبا!
لا يُواجَهُ العنف والإرهاب إلا بالسلاح
وسيلة الدفاع الشرعى، العام والخاص، مرتبطة بالخطر وما يمثله من أضرار حالّة أو محتمَلة، وليس أخطر مما أصاب مصر والمصريين، وما يزال محدقاً بهم بما يستوجب التصدى لمصادره!
يذكّرنى تنطع المعترضين بالخارج والداخل وتفلسف المتفلسفين بالمثل القائل: «اللى على البر عوّام»!!
ويتجاهل هؤلاء المتنطعون والمتفلسفون أن الدفاع ضد الإرهاب الأسود وحصده للأرواح والمرافق والممتلكات حق بل واجب مشروع، السكوت عنه تفريط، ومع ذلك نسمع نشازاً من الغرب، وضلالاً من أصحاب الغرض بالداخل، وتفاهةً وسطحيةً من المتقعّرين هنا وهناك، وكأنهم يعزفون لحناً واحداً أن مصر يجب أن تفتح أحضانها لمن يقتّلون أبناءها ويدمرون مرافقها ويهلكون الزرع والضرع، ويعيثون فيها ضلالاً وإرهاباً!!
وتعجب من أمر الغرب كيف يتجاهل ما قاله الزعيم البريطانى ونستون تشرشل فى مواجهة ما يحدث للإنجليز فى اليونان إبان الحرب العالمية الثانية، حين أطلق نداءه الذى استقبله الغرب مرحباً: «العنف لا يمكن أن يقابَل إلا بالسلاح».
هذه العمليات الشاملة ضرورة لا محيص عنها
لست أريد أن أستعرض ما بثته الصحف والقنوات المختلفة من أن تصدِّى مصر الشامل لهذا الإرهاب، وبقواتها البرية والجوية والبحرية، هو رسالة للمتربصين بها بأنها قوية رغم كل المؤامرات التى حيكت وتحاك لها، وأنها قادرة على حماية داخلها وحماية حدودها، ولا ما تناقله البعض من أن هذه العمليات رسالة شديدة الوضوح لـ«أردوغان» الذى جعل يلوّح بالتعدى على الحقوق والثروات المصرية فى البحر الأبيض.
لست معنياً بهذه الآثار التى يستعرضها البعض، وإنما يعنى مصر ويعنينا فى المقام الأول، دفاعنا المشروع عن كياننا ودولتنا الوطنية وعن أرواحنا وممتلكاتنا، وعن الأمان الذى يجب أن نحميه فى ربوع وطننا.
لا ينكر هذا الدفاع الشرعى الواجب، وينكر حق مصر بل واجبها فى حماية أمنها القومى، إلا عدو أو خائن أو عميل أو منافق!
ستحيا مصر، وإن رغمت أنوف!