على شبكات التواصل الاجتماعى، انتشر إعلان لأحد البنوك السودانية.. فى الإعلان يظهر ممثلون سودانيون يغنون أغنية تروج لبنك ما هناك على لحن مصرى.. اللحن هو لحن أغنية المهرجانات الشهيرة (العب يالا)!
ما يلفت النظر فى هذا الإعلان أنه يمثل الحد الأقصى فى كل شىء، فمن جهة سنجد أن علاقتنا السياسية بالسودان مضطربة ومتوترة منذ سنوات طويلة، وأن هذا التوتر عاد ليتجدد، ومع ذلك لم يمنع هذا التوتر من أن يتأثر مواطنون سودانيون بلحن شهير لأغنية مصرية، وأن يتخذوه شعاراً لإعلان عن بنك مهم هناك، وهذا تعبير عن الحد الأقصى من تأثير مصر الثقافى على الخلافات السياسية مع الدول العربية.
الوجه الثانى للحد الأقصى أن ما أثرت به مصر هو أغنية مهرجانات أنتجها بعض الشباب فى حارة مصرية.. وهو ما يمكن أن يعتبره البعض وصولاً للحد الأقصى من الابتذال أو الاستخفاف الفنى!
وما يعنينى هنا أننا لم نؤثر لا بأم كلثوم ولا بعبدالوهاب ولا بعبدالحليم.. بل بأغنية مهرجانات، وكأن الواقعة تقول لنا إن التأثير هو قدر مصر، حتى ونحن فى أضعف حالاتنا الفنية، حتى ونحن غير مهتمون.. حتى ونحن نغنى مهرجانات..!يتبع العرب مصر ويغنون خلفها وينتظرون صوتها الذى غاب لسنوات.
إن هذه الواقعة المؤثرة وذات الدلالة من وجهة نظرى تدفعنى للحديث عن القوة الناعمة لمصر فى محيطها، ولضرورة أن تصل إلى حدها الأقصى، وليس أن تبقى فى حدها الأدنى كما هو الآن..
إننى من الذين يدركون كم التحديات التى تواجهها مصر والحرب التى تخوضها على عدة جبهات، لكن ذلك ما يدفعنى أكثر للدعوة لإطلاق القوة الناعمة المصرية ومواجهة التراجع الذى طرأ عليها خلال السنوات الأربعين، أو السبع والأربعين الماضية، وأقول هذا عن قناعة بأن القوة الناعمة لمصر لا تقل أهمية عن قوتها الصلبة على الأرض، أقول هذا وفى ذهنى الأعداد الضخمة التى زارت معرض القاهرة الدولى للكتاب والنجاح الذى حققته مناسبة ثقافية فى بلد يحارب الإرهاب، وأقول إن المعرض يستحق منا أن نرصد له إمكانات أكبر من هذا بكثير، وأن إنفاق بضع مئات من الآلاف على نظافة معرض الكتاب لم يكن ليضير مصر، ولا ليعجزها فى شىء، وما يليق بمصر ليس أن تكون طرقات المعرض وأجنحته نظيفة ولائقة فقط، ولكن يليق بها أن يكون المعرض أكبر مناسبة لتجمع المثقفين العرب، وقد كان كذلك فى الماضى بالفعل، ولا يليق أن تترك مصر الساحة لدويلة مثل قطر لمحاولة إغواء المثقفين العرب والمصريين بالجوائز والفعاليات.. وليس مطلوباً منا أن ننافس قطر، ولكن يكفى فقط أن نقول إننا هنا، ومهتمون، وفى هذا ما يكفى ويزيد.