تنتشر حالياً على مواقع التواصل الاجتماعى عبارات ونصائح تجتهد فى توجيه وإرشاد المتابعين فى كيفية اختيار شريك الحياة أو الحبيب، كلٌّ يدلو بدلوه ويسجل نتاج تجاربه ومشاعره ومشاهداته ليترك للآخرين نقاطاً يسيرون على هديها، وسبيلاً يهتدون به، إلى حياة أفضل وأكثر استقراراً. لكن ترانا نختار حقاً!! أو ترانا نستطيع اتباع قواعد العقل والمنطق والتعلم من نظريات وفرضيات ونسب الصواب والخطأ!!
هنا يزورنا السؤال القدرى: «هل الحب قدر أم اختيار؟ وهل الأقدار تلزمنا وتجبرنا، أم أن اختياراتنا تشقينا»؟؟
احتار الفلاسفة فى ماهية الحب ودوافعه، فتبنّى «فرويد» فكرة كونه غريزة طبيعية نسعى لتحقيقها، لكننا نصبغها بأوصاف رومانسية، عذبة، بيد أن الأمر غريزى بحت، وهو الانجذاب الفطرى نحو الآخر لتكوين علاقة معه دون غيره (بما يُعزّز فكرة أن الأمر قدرى ومحتوم).
ذهب فلاسفة آخرون إلى أن الحب هو التوافق بين الغريزة والعاطفة، وبهذا تكون المواءمة بين القدرى والاختيارى. وهكذا تختلف تفسيرات البشر فى فلسفة وتفسير وتعليل هذه العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة. أهى علاقة يحكمها العقل والاختيار، وبالتالى تتأثر بالنظريات والفرضيات! أم طبيعة واندفاع أفلت لجام العقل والحكمة؟
وهل تساعد حقاً نظريات الفلاسفة والأدباء والخبراء النفسيين فى تقديم نصائح دقيقة، توضح معايير وأسس اختيار الحبيب أو الشريك؟! وهل من يتبع هذه النصائح ينجو من الفشل والإحباط والخيبة؟؟
هذه المقاطع الناصحة، ماذا عساها أن تفعل مع دقات القلوب أو الأقدار!! فمشاعرك لا تسير بحسب نصائح وتنظيرات العقلاء! حيث إن التجربة الشخصية شىء آخر. دقة قلبك شىء آخر، الانجذاب نحو الآخر هو شىء آخر «بل كل الأشياء».
أحياناً نحب عن بُعد أناساً لم نرهم يوماً وأحياناً نقسو على من يحنون علينا، وتهفوا قلوبنا لأناس ما شعروا يوماً بِنَا، وأحياناً نبحث عن حب غير موجود! هنا وعند هذه النقطة، فلتذهب كل النظريات إلى أرفف الكتب! فالواقع شىء آخر!! والحب والمشاعر والانجذاب شىء آخر.
إلا إذا كان الأمر لا علاقة له بالمشاعر أو الشعور، وكان الاختيار عقلانياً بحتاً ونقاطاً وحسابات وفرضيات ومنطقاً وعقلاً ومعادلات مكسب وخسارة!! هنا تصبح هذه «المقاطع الناصحة» ذات أهمية ودليلاً عملياً على نوع الاختيار وطريقة التصرّف.
لا يُشترط أن تنجح بالحب أو الحياة، وليس المهم أن تكون عاقلاً نمكياً فى الاختيار! فأنت بالنهاية تهفو روحك دون سابق إنذار، وقد تُجن وقد تنهار، قد يحبك العالم بأسره، وتبقى روحك أنت معلقة فى مكان بعيد، بشخص عجيب، لا تنطبق عليه مواصفات المنطق أو العقل ولا يتوافق مع شروط الاختيار ولا الاختبار!!
تختلف قصصنا مع الحب والأحبة، ربما نقع بالحب أكثر من مرة! وربما نفقد شعور الحب سريعاً! وربما يمر العمر دون أن نشعر به أساساً، وربما تختلط علينا الأوراق وتلتبس المشاعر، لنعود للسؤال الأزلى حول مشاعرنا وما مررنا به؟! أكان حباً، أم انجذاباً! أم غريزة وإجباراً، أم وهم وسراب يختفى فور الوصول إليه؟!
لو اجتمع البشر على إجابة واحدة لهذه الأسئلة، ما ذابوا وما عذبوا وما احتاروا أبداً، وتبقى التجربة ودقة القلب ودمعة العين أو بسمة الرضا، هى الإجابات الأدق على أحوال العاشقين ويبقى لكل إنسان تجربته الإنسانية الخاصة جداً، التى لا تتطابق مع أحد وإن تشابهت القصص والظروف.
لهذا كن أنت وتعامل مع الحياة بدروسك الخاصة واستفت قلبك أولاً وأخيراً، واعتمد مشاعرك كمرجع أساسى، فإن نجحت فهنيئاً لك، وإن أخفقت فهى تجربتك الخاصة جداً بهذه الحياة، فاقبلها واقبل ذاتك، وتقبّل القدر وتحاشى إخفاقاتك بأيامك المقبلة، ولا تعول كثيراً على كبسولات النصائح الإلكترونية، فالواقع شىء آخر.