عزيزتى الأخلاق المتمرمطة
تحية طيبة وبعد:
ياااااااه... بقى معقول كل اللى شفته النهارده فى الشارع ده؟ ولا علشان أنا راجل عجوز ومن زمن قديم مش قادر استوعب التغيرات اللى حصلت فى المجتمع واتغيرت بسببها الأخلاق؟ هي الأخلاق بتتغير؟ نفترض إنها بتتأثر شوية، بس أكيد فى أساسيات مستحيل تتغير مع تغير الزمن والظروف أوحتى الزمان والمكان.
يعنى معقول الواد كريم ابن الأستاذ حسين جارنا اللى أبوه مثال للاحترام والأخلاق، يجيب زمايله ويقفوا على ناصية الشارع علشان يعاكسوا بنات شارعهم، ده احنا على أيامنا بنات شارعنا دول كانوا خط أحمر ممنوع أى حد يقرب لهم، كنا حمايتهم من أى حاجة وأى حد، دلوقتى يوصل بيك الحال إنك تضايق بنت حتتك!! لأ وجايب صحابك كمان؟! والنبى مش كسوف من نفسك!
أنا شفت الموقف ده قلت أروح أعقله وأقول له عيب اللى إنت بتعمله ده مع بنت حتتك، إنت المفروض تبقى حماية ليها متبقاش إنت اللى بتخوفها، قلت فى عقل بالى أنا راجل عجوز وفى مقام جده أكيد هيسمع كلامى وهيتكسف على دمه.
"أنت مالك ياعم.. أنا أعمل اللى أنا عاوزة.. هو إنت حد عينك تدافع عن حقوق المُزز".. ده كان رده عليا بكل بجاحة، معملش حتى حساب لسنى وقال لى "امشى من قدامى بدل ما أخلى صحابى يعملوا معاك الصح.. ولا أقول لك إنت راجل كبير ومش هنيجى عليك".
مشيت من قدامه وأنا فى حالة من الذهول، مش قادر أصدق الموقف ولا قادر استوعب طريقة رده عليا، قلت أخلينى فى حالى بدل ما عيل من دور أحفادى يقلل من قيمتى قدام الناس، وكملت فى طريقى عادى، سمعت صوت عالى جاى من آخر الشارع.. "مش قلت لك مش عوزاكى تقولي لى أعمل إيه ومعملش إيه تانى؟ قلت لك ميت مرة أنا كبرت مش مُتقبلة تَدخلك فى كل تصرفاتى.. اتخنقت من تعديلاتك طول الوقت على تصرفاتى"، جريت عليهم قلت أشوف فى إيه يمكن أقدر أحل الموقف، فوجئت بغادة بنت الست سناء جارتى اللى فى الدور الخامس واقفة قدام أمها فى الشارع تزعق، لمجرد إن الست قالت لها متعليش صوتك وانتى بتتكلمى فى الشارع، بكل عشم قربت من غادة وقولت لها بصوت واطى مينفعش اللى بتعمليه ده يا بنتى دى مهما كان أمك وميصحش تتكلمى معاها كده فى الشارع.
بصراحه رد غادة كان أحسن شوية من رد كريم، لأنها بصت لى بكل استهانة ومشيت وسابتنى بكلم نفسي، كملت فى طريقى للمرة التانية وقلت فى عقل بالى متزعلش دول مهما كان سنهم صغير بكرة يتعلموا الأصول والاحترام.. فجأة بصيت حواليا لقيت عبدالسلام الميكانيكى بيضرب مراته في الشارع، بصراحة خفت اتدخل وأحل المشكلة، ماكدبش عليكم عبدالسلام الميكانيكى شكله إيده تقيلة وأنا راجل كبير وأكيد فى وقت غضبه مش هيسمع النصيحة.
كملت فى طريقى تانى وسرحت فى كل المواقف اللى حصلت قدام عينى النهارده، فقت على صوت عبده صاحب مطعم الفول بيطرد سعيد الغلبان علشان معهوش يدفع حق ساندوتش الفول، قلت فى عقل بالى بسيطة، هروح اشترى ساندوتشين لـ"سعيد الغلبان"، أهو ربنا يكرمه ويكرمنا،فاجئنى رد عبده صاحب المطعم وهو بيقول لى "لأ يا حاج متعودهوش على كده.. مش كل الناس فيها شهامتك وهتدفع له"، صُدمت جدا من رده عليا وقلت له بكل غضب "فين شهامتك إنت؟".
قررت أرجع البيت ومكملش مشوارى من كمية الإحباط اللى أنا شفتها النهارده، واللى فعلا غريبة جدا عليا، وفى طريق رجوعى لقيت صاحب البيت بيطرد أم علاء وولادها علشان مكسور عليها شهر إيجار، والست شريفة بتنده بعلو صوتها فى الشارع على ابنها هشام، وهو مصمم ما يردش عليها، وأيمن اللى شايف الحاجة سعاد شايلة شيلة ثقيلة وما طلبش إنه يساعدها، ومواقف كتير صغيرة جدا فى نظركم، لكن كانت كبيرة قوى بالنسبة لى، خلتنى أقول لنفسى "هو أنا ما خرجتش من البيت بقالى كتير ولا الدنيا اللى بتتغير بسرعة ولا إيه بالظبط اللى بيحصل ده؟".
كتير هيقولوا لى "يا عم الحاج إنت طيب قوى، هى دى بالنسبة لك المواقف اللى اتغيرت فيها الأخلاق وصدمتك للدرجة دى؟ دى الدنيا بقى فيها بلاوى تعدى اللى إنت بتحكى فيه ده بمراحل"،رجعت بيتى وأنا كلى حزن وقلت لنفسي ما هى الحجات الصغيرة دى أساسيات، لما اتغيرت طبيعى إن كل حاجة تتغير، طالما الرحمة والإنسانية والأدب مابقوش موجودين لازم يحصل اللى بيحصل ده، طالما مبقاش فى حد يعلم الأخلاق والأصول يبقى أخلينى فى كهفى أحسن ما أموت من الحسرة على الأخلاق اللى اتمرمطت.
أمضاء/
راجل عجوز كان فاكر إن الأخلاق هى الكنز الحقيقى اللى المفروض نملكه.