المصرى لا يحب كلمة «معرفش»، ويرفض أن يسأله أحد أى سؤال ولا يجيب عليه، حتى ولو كان بـ«الغلط»! فتضليل الآخرين أرحم من أن يظهر «أبوالعريف» أمام الآخرين بمظهر «أبوجهل». جرّب مثلاً أن تسأل أحداً عن عنوان معين، وسوف تسمع منه وصلة لا تقل فى جمالها عن تلك القطعة التى أبدعها «أراجوز» صلاح جاهين فى الليلة الكبيرة، وهو يجيب على العمدة الذى سأله «منين يروحوا المتولى» فأجابه «تمشى كده على طول على طول لحد ما تلاقى عمارة.. تكسر يمين تلقى بتاع فول.. دكانته على ناصية حارة.. تدخل يمينك وشمالك.. شارعين وفى التالت تكسر.. على اليمين واخد بالك وتمشى على طول تتمختر.. تفضل كده تمشى وتدب.. وتخش من مطرح ما طلعت.. ولما تلقى مقلة لب.. تعرف بإنك تهت وضعت»!!
أحيانا ما تكون معرفة المصريين بالأمور المختلفة من هذا النوع «الأراجوزى» أو «المتأرجز» الذى يؤدى بمن يأخذ بها إلى «التوهة» والضياع.. المصرى يمكن أن يقوم بدور الطبيب لمجرد أنه يقرأ النشرات المرفقة بالأدوية، ويمكن أن يعمل بالهندسة لمجرد أنه اشتغل مرة فى بناء عمارة، ويمكن أن يجد نفسه جديراً بلعب دور الواعظ الدينى لمجرد أن له «دقن»، ويرى أنه أفضل من يشغل وظيفة وزير التربية والتعليم، لأنه عرف يربى «عياله» ويؤدبهم بالقرع بالعصا، أما التعليم فأمره سهل.. شوية كتب وهات يا «حفظ»، وتعالى يا «تسميع»، بل يمكن لأى شخص أن يرى أنه جدير برئاسة الوزارة لأنه سبق أن عمل وزيراً لعدة شهور، حتى لو كانت شغلته «الميه»، قد يعترض البعض قائلاً: إننا نعانى هذه الأيام من مشاكل اقتصادية كانت تستوجب أن يترأس الحكومة رجل اقتصاد، سوف يرد عليك «أبوالعريف» قائلاً: يعنى إيه اقتصاد؟ يعنى فلوس.. وفلوس يعنى إيه؟ يعنى «ميه»، إذن لماذا تعترض على وزير «مياه» وكل المصريين يسمون الفلوس «ميه»؟!
مشكلتنا أننا نرى فى أنفسنا القدرة على القيام بكل الأدوار.. لاحظ نفسك مثلاً وأنت تشاهد مباراة فى كرة القدم، سوف تجد أنك تقوم بدور المشاهد وأنت تتفرج، والمعلق وأنت تتأفف من التعليقات السخيفة للمعلق على المباراة، واللاعب وأنت تنتقد أسلوب أحد اللاعبين فى التعامل مع الكرة، والمدرب وأنت تعتب على التغييرات، وطبعاً الحكم وأنت تتأسف للعبة كان من المفترض أن تحتسب ضربة جزاء وعداها الظالم. أنت إذن «أبوالعريف»، وغيرك يرى نفسه «أبوالعريف» هو الآخر، يستطيع أن يأتى بـ«التايهة» ويحل كل المشكلات بما لديه من قدرة على «الفهلوة» و«البهلوانية» والسير على الحبل، والتنفس تحت «الماء»!