تقول القاعدة: «لا يوجد فى السياسة عداوات دائمة.. ولا صداقات دائمة.. بل مصالح دائمة»، عبارة بليغة تعبر عن واقع لا خلاف عليه، فالمصالح قد تحوّل غرماء الأمس إلى أصدقاء اليوم، وأصدقاء الأمس إلى خصوم اليوم. المصالح هى المحرك الأول للقرارات السياسية داخل أى تجمع بشرى. البعض يختلف مع هذا الطرح، ليس من باب الاعتراض على أهمية المصالح وأولويتها، بل من الزاوية الأخلاقية والقيمية، إذ يرى هذا البعض أن المصلحة لا بد أن تنجز بطريقة معقولة ومقبولة أخلاقياً وقيمياً، وليس ارتكاناً إلى قاعدة «الغاية تبرر الوسيلة». وهناك فى المقابل من يرى أن الباحث عن تحقيق مصالح معينة يجب ألا يرهق نفسه فى التدقيق فى الوسائل. دعك من هذا الجدل وتعال نفكر فى إجابة عن سؤال ذى صلة بتلك القاعدة: هل المصالح هى الشىء الوحيد الدائم فى دنيا السياسة أم هناك ثوابت أخرى؟
هل «الحماقات» يمكن أن تكون عنصراً دائماً فى دنيا السياسة؟. وارد بالطبع أن تكون الحماقات كذلك، وهى دائماً ما ترتبط بحالة الغرور التى تصيب رجل السياسة. نماذج تاريخية عديدة على الحماقة تستطيع استخلاصها من مشاهد الحكم أيام الوالى محمد على. «الطموح الزائد إلى التوسع والتمدد دون امتلاك الأدوات» كان الحماقة الكبرى لمحمد على. «الإحساس بالزعامة» كان الحماقة الكبرى للزعيم عمر مكرم، حين أفلح محمد على فى فك حزمة المشايخ المحيطة به وأرهب الشعب المحب له، ليجد الزعيم نفسه فى النهاية يسير وحيداً إلى منفاه فى دمياط. «غرور القوة» مثل الحماقة الكبرى للمماليك، المنافس الأخطر لمحمد على، على حكم مصر مطلع القرن التاسع عشر، الذين انتهت تجربتهم بمذبحة القلعة الشهيرة.
هل الرهانات الخاطئة عنصر دائم فى دنيا السياسة؟ يصح طبعاً.. عندما قامت ثورة يوليو 1952 راهن الإخوان على التجربة السياسية المحدودة للضباط، وإذا بهم يخسرون الرهان. «النحاس» باشا ورجال الوفد القدامى راهنوا على الدستور وإيمان الشعب بالديمقراطية بعد تجربة عريضة خاضوها قبل الثورة، فشاء الله أن يعيش النحاس باشا حتى عام 1954 ليسمع من بين المصريين من يهتف بسقوط الحرية والديمقراطية. محمد نجيب راهن على شعبيته الجارفة فى مصر والسودان ودعم الإخوان له، فانتهى به الأمر وحيداً رهن الإقامة الجبرية بفيلا زينب الوكيل بـ«المرج».
هل «الخطأ فى تقدير المواقف» يمكن أن يكون عنصراً دائماً فى دنيا السياسة؟ وارد بالطبع، يحدث أحياناً أن يخطئ السياسى فى تقدير بعض المواقف بسبب قلة التركيز أو الثقة المفرطة فى الذات أو الثقة غير المستحقة فى أشخاص حوله. «عبدالناصر» أخطأ فى تقدير قدرة مصر على مواجهة إسرائيل عام 1967، راهن على القيام بمظاهرة عسكرية كبرى، دون التورط فى حرب، وقدّر أن إسرائيل لن تقدم على مواجهته، وكانت النتيجة الهزيمة التى قضت عليه. «السادات» كان من السياسيين الذين يحسنون تقدير المواقف، ويجيدون الحسابات السياسية، لكن التوفيق خانه فى قرارات 5 سبتمبر 1981، فكانت النهاية. «السادات» اعتبر نفسه أشطر من الجميع وأفهم وأذكى من الكل، وقد كان بالفعل سياسياً عظيم القدرات، لكنه نسى القاعدة الشعبية التى تقول: «غلطة الشاطر بفورة».