تضطلع القوات المسلحة والشرطة المصرية بجهود مضنية فى العملية (سيناء 2018)، فى إطار محاربة التيارات الدينية المنحرفة، ممثلة فى جماعة الإخوان وداعش وغيرهما من التنظيمات التى تستخدم العنف طريقاً ومنهجاً، من خلال التأويل الفاسد للنصوص الدينية، وهذه المجهودات من الجيش المصرى فى بابها مهمة للغاية ولا غنى عنها، لكن من ناحية أخرى فإننا فى حاجة ماسة لمواجهة فكرية موازية، يتم من خلالها مواجهة القلم بالقلم، والمقال بالمقال، والفكرة بالفكرة، والقناة بالقناة، والكتاب بالكتاب، خاصة لو علمنا أن الجماعات المنحرقة سبقت وقطعت أشواطاً نحو التسويق والدعوات الفكرية لمناهجها.
إن الجهود التى تقوم بها القوات المسلحة تواجه الإرهابى الذى يحمل السلاح، ولكنها لا تواجه الإرهاب نفسه كأفكار قناعات، بمعنى آخر فإن الإرهاب يعنى أفكاراً منحرفة اقتنع بها الشخص، ثم تحولت من مجرد أفكار إلى سلاح يُطعن به المجتمع.
فى إطار مواجهة التيارات المنحرفة فكرياً لم يكن هناك أى جهود ذات تأثير تستحق الاحترام على مستوى مؤسساتنا المختلفة المعنية بالأمر باستثناء دار الإفتاء المصرية، نعم هناك مؤتمرات وكتيبات هنا وهناك، لكن تظل المسائل الأساسية فى فكر الجماعات المنحرفة وعددها نحو 15 مسألة لم نقترب منها بالتحليل والرد والتفنيد والمواجهة.
تعالوا مثلاً نطرح حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان وكتبه التى لم يخل منها بيت من بيوت الإخوان، ومع ذلك ليس فى مؤتمراتنا أو ندواتنا أو مناهجنا مناقشة لفكر حسن البنا، ونكتفى فقط بالقول بأن الإسلام حرّم الإرهاب والقتل والعنف، مع أن حسن البنا نفسه يعترف بأن الإسلام حرّم الإرهاب والقتل والعنف.
تأتى فكرة (التمكين للإسلام) من أخطر الأفكار التى تتبناها جماعة الإخوان والجماعات المماثلة، فالفكرة تمثل عصباً جوهرياً وأساساً محورياً للمنظومة الفكرية للتيارات المنحرفة، حيث تم تقديم الفكرة والتسويق والتنظير لها من خلال تصورات مظلمة، وتأويلات منحرفة، وأفهام ملتبسة مفعمة بالحماس والمشاعر والانفعال، ومع ذلك ليس فى مناهجنا أى مناقشة لهذه الفكرة، وفى المقابل تمتلئ مناهج الإخوان بالتسويق لهذه الفكرة، ثم تأتى قضية الحاكمية كواحدة من أهم الأفكار التى بنت عليها التيارات المنحرفة أسس فكرتها ومناهجنا وتجنيدها للشباب، ومن قضية الحاكمية انبثقت فكرة العصبة المؤمنة، وفكرة المفاصلة الشعورية، وفكرة الاستعلاء بالإيمان، وفكرة حتمية الصدام وكل ذلك تبناه سيد قطب انتهاء بفكرة التكفير، ثم فكرة التفجير، وفى كل ذلك فإن القوات المسلحة تبدأ المواجهة من النهاية، أى من (التفجير)، ولكن ليس من مهامها بالطبع مناقشة ما قبل التفجير، وتظل مناهجنا ومؤتمراتنا بعيدة كل البعد عن مواجهة الأفكار السابقة، فإن حصل ووقعت المواجهة تكون فى مؤتمر فى فندق، ثم السلام، ويظل شبابنا منقطع الصلة تماماً عن التوعية تجاه هذه الأفكار بسبب قصور مؤسساتنا الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية.
وقل مثل هذا فى فكرة انقطاع الدين، ودار الكفر ودار الإسلام، واحتكار الوعد الإلهى، وحتمية الصدام، والجهاد، وفكرة الوطن، وفكرة تطبيق الشريعة، والعلاقة بين القوانين الوضعية والأحكام الشرعية.
لكن -والحمد لله- وجدنا مؤلفات على المستوى الفردى ناقشت هذه القضايا مناقشة علمية جادة، واستعرضت مقولات التيارات المنحرفة بميزان الشرع والمنهج المنضبط، فقام هؤلاء بواجب الوقت من خلال جمع هذه المقولات والرد عليها رداً علمياً محترماً.. وسوف أستعرض عدداً من هذه الكتب فى مقالات مقبلة إن شاء الله.