المتابع لظاهرة التدين فى مصر، لا بد أن يلاحظ ظاهرة الإحياء الصوفى فى المجتمع المصرى، على مستوى الثقافة، فثمة إقبال كبير من الشباب على قراءة آثار بعض مشاهير المتصوفة واستحضار معانيها، لا سيما الشاعر جلال الدين الرومى، والقطب الأكبر ابن عربى.
هذا الإقبال لا يعبّر عن نفسه فقط فى دخول بعض الآثار الصوفية إلى وسائل التواصل الاجتماعى وتخصيص صفحات لها، لكن أيضاً فى الإقبال على الروايات والعروض المسرحية التى تستوحى أجواء الصوفية.
إلى جانب هذا الاهتمام الحديث من قطاعات الشباب والممتزج بنفور من مشروع الإسلام السياسى والسلفية الوهابية، ثمة ظاهرة تشهدها مصر خلال السنوات العشرين الماضية، التى سبقت وصول الإخوان لحكم مصر، الظاهرة كانت تتمثل فى إقبال قطاعات من النخبة الثرية والمتعلمة على استهلاك المنتج الدينى الصوفى.. عبّرت هذه الظاهرة عن نفسها كأوضح ما يكون فى الإقبال على دروس الداعية اليمنى الحبيب بن على الجفرى، الذى كان يقدم خطاباً صوفياً لا يتشابه مع غيره من الدعاة الجدد وإن اشترك معهم فى الجمهور وطبيعته.
إلى جانب الحبيب على وجمهوره الذى ينتمى فى معظمه للنخبة الاقتصادية فى مصر، كانت هناك أيضاً ظاهرة تحول بعض الطرق الصوفية إلى تجمعات اقتصادية، كان أبرز هذه الطرق وقتها طريقة تابعة للطريقة الدسوقية، حيث استطاع صوفى ناجح أن يحول مزرعته فى الطريق الصحراوى إلى خلية اقتصادية ومشروع يعمل به كل أبناء الطريقة، وكانت ملاحظتى أن حال الرجل وأبناء طريقته يختلف اقتصادياً وثقافياً عن حال البسطاء من أبناء الطرق الصوفية..
إننى أسوق هذه المقدمات لأقول إننا فى حاجة لأن تهتم مؤسسات الدولة المصرية بالثقافة الصوفية وبالطرق الصوفية على أعلى المستويات، لدينا مجلس ينظم أحوال الطرق الصوفية وبه ممثلون عما يقرب من ٩ ملايين صوفى مصرى.. هو بالتأكيد على خارطة الدولة المصرية، لكن الأكيد أن الاهتمام به ليس على المستوى الاستراتيجى المطلوب.
إننى أطالب من هنا بأن تتبنى الدولة المصرية مشروعاً لتعليم وتثقيف القيادات الشابة من أبناء قيادات الطرق الصوفية، حيث جرى العرف أن يرث الأبناء آباءهم فى قيادة الطرق الصوفية، وكلنا يعرف مدى تأثر المريد الصوفى بأحوال شيخه وثقافته ونظرته للحياة.. مشايخ الطرق هؤلاء يتفاوتون فى مدى تعليمهم وارتباطهم بالحياة العامة، وبعضهم أبسط حالاً من أن يترك له التأثير فى أحوال المئات من أبناء طريقته، والمطلوب مشروع تتبناه الدولة المصرية لتأهيل وتثقيف الجيل الجديد من القيادات الصوفية بالإضافة إلى الاهتمام بالمنتج الثقافى الصوفى بشكل أكثر فعالية.. الصوفية هى دين الحب والتسامح، ولا شىء يمكنه مقاومة احتكار أنصار الكراهية للدين الإسلامى أكثر من الصوفية لو أحسنا إحياءها.