يتمتع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بمكانة خاصة فى قلوب المصريين، وهى مكانة لا ترتبط فقط بموقعه كشيخ للأزهر الشريف، بل تتساند معها وتدعهما مجموعة من السمات التى تتوافر فى شخصيته. فهو مدافع صلب عما يؤمن به، وشديد الإخلاص لدينه ووطنه والمؤسسة العريقة التى يقودها. يقينى أن هذا النمط من الشخصيات يؤمن بحق الصحفيين فى النقد، ويتفهم أن الصحفى وهو يتناول أمراً معيناً من أمور أى مؤسسة يصح أن يخطئ ويصيب. كيف لا وهو أكثر الناس علماً بما اشتمل عليه القرآن الكريم ونصوص السيرة النبوية من مواقف رحبت بالاختلاف فى الرأى حتى ولو صعد إلى مرتبة المعارضة حتى يتعلم المسلمون درس الاجتهاد وإعمال العقل، مع مراعاة ما ينبغى من أدبيات فى هذا السياق. الله تعالى استمع إلى الملائكة حين قال لهم «إنى جاعل فى الأرض خليفة»، فقصر علمهم عن إدراك حكمته جل وعلا، فعلقوا قائلين: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}، بعد ذلك أثبت الخالق العظيم لهم بالبرهان العملى كيف قدروا الموقف على نحو غير دقيق. استمع الله تعالى إلى أبى الأنبياء إبراهيم وهو يقول: {وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى}، ثم أثبت له المولى عز وجل بالتجربة العملية قدرته تعالى على إحياء الموتى.
أقول هذا الكلام فى سياق ما قررته محكمة جنايات الجيزة من تأييد الحكم على الصديق الصحفى «أحمد الخطيب» بالحبس 4 سنوات وغرامة 20 ألف جنيه فى قضية إهانة مشيخة الأزهر ومستشارها القانونى.
أحمد الخطيب من الصحفيين المجتهدين، وله تجارب عدة فى مواقع متنوعة داخل جرائد «المصرى اليوم» و«الوطن» و«البوابة»، قد يتفق أو يختلف من حوله -وأنا واحد منهم- معه فى الرأى، لكنهم يجمعون على طيبته وحسن نواياه ونزعته الصوفية. فى إطار مجموعة المقالات موضوع القضية حاول «الخطيب» الاجتهاد بالرأى، ربما يكون قد خانه التقدير أو اللفظ وهو يعبر عن رأيه، وكل كاتب معرض للخطأ والصواب فيما يكتب. ويظهر النضج عندما يستوعب القائمون على أمر المؤسسة التى تتعرض للنقد أن شأن أى اجتهاد فى الحياة هو الصواب والخطأ. ومؤكد أن فضيلة الإمام يتفهم ما أرمى إليه، وهو أجدر الناس بالتجاوز عمن قد يؤدى به اجتهاده إلى الخطأ فى حق مؤسسة الأزهر.
يعلم فضيلة الإمام أيضاً أن عقوبة حبس الصحفيين فى جرائم النشر لم تعد سارية فى أغلب دول العالم، ولا يتمسك بها من دول المعمورة إلا أقلها. فى كل الدنيا الصحفى الذى يقع فى جريمة نشر يعاقب بالغرامة، لكن قوانين مصر تعاقب بالحبس على تهمة الإهانة. أتعشم أن يتعامل الدكتور أحمد الطيب مع هذا الموضوع بما يليق بمقامه وشخصه الواعى بأدوار الإعلام والإعلاميين وطبائع المهنة التى لا تخلو بالطبع من أخطاء، لكنها فى النهاية ضرورية وحيوية لأى مجتمع يريد أن يتحرك إلى الأمام.. فى انتظار خطوة العفو.