كان يكره العنف ويمقت الخنوع والجبن أكثر من كراهيته للعنف مردداً «اللاعنف أعظم الفضائل، والجبن أرذل الرذائل»، و«الجبن عجز أسوأ من العنف»، ويُردّد «الذين يفضّلون الأمن على الحرية لا حق لهم فى العيش»، ويقول «الصفح أكثر رجولة من العقاب»، ويردّد «إن شخصاً يؤمن باللاعنف إيماناً كاملاً ينبغى عليه أن يكون متحرراً من الخوف ألف مرة أكثر من رجل مسلح».
ويهتف «ما لم يُمح الفقر والبطالة فلن نصل إلى الحرية»، ويردد «مستحيل قيام نظام حكم طالما بقيت الهوة الواسعة بين الأغنياء وملايين الجياع قائمة».
وتراه كأنه رأى بعين البصيرة نتائج العنف والسلاح والتفجيرات والميليشيات فى عالمنا الحديث، فيقول: «مهما كان ثمن المقاومة اللاعنفية غالياً فى الأرواح، فإنه أقل من ثمن التمرّد العنيف، فالنضال السلمى يبشر بمستقبل أفضل من الكفاح المسلح»، وكان يقول: «العنف قد يطيح بحاكم سيئ، لكن أسوأ منهم سينبتون فى أماكنهم».
راجع نفسه مراراً واعترف بأخطاء عدة ارتكبها أثناء مسيرة نضاله، وكان يقول: «ليس هناك عظيم أفلت من التراجع عن رأيه أو تجليات المراجعات».
ومن مزاياه أنه تحاشى جميع المذاهب والطائفية ورفض أن تكون له طريقة وأتباع وأعلن مراراً «يطربنى أن أسمع تسقط الطريقة الغاندية، فكل مذهب يستحق التحطيم»، وهذا درس لمن يجعلون للزعماء أتباعاً وأشياعاً حتى بعد موتهم، رغم كثرة أخطائهم، فكل يؤخذ منه ويرد عليه، سوى الأنبياء الذين عصمهم الوحى.
كان يهتم بالإيمان بالله رغم هندوسيته، فكان يُردّد «العناية الإلهية لديها ساعة مضبوطة لكل شىء»، ويقول «الإيمان ليس شيئاً للفهم إنه حالة لتنمو فيها»، ويردد «أحياناً يختبر الله الذين يريد أن يباركهم إلى أقصى درجة»، ويقول: «فى الصلاة من الأفضل أن يكون لديك قلب بلا كلمات عوضاً عن كلمات بلا قلب»، وكأنه يحاكى قوله تعالى «والَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ»، لقد احتك «غاندى» بكل الأديان، وأخذ كثيراً من حكم محمد والمسيح عليهما السلام، وتلمس ذلك فى كل كلماته.
وكان له رأى فى الأغلبية والأقلية وأيهما يكون معه الحق فيقول «حتى وإن كنتم أقلية تبقى الحقيقة حقيقة»، وكأنه عاش مع حكمة القرآن «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»، «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ».
وكان يؤمن بالحب كأفضل أداة للتواصل البشرى وحل مشكلات العالم، فيقول: «هل هناك حاجز لا يمكن للحب أن يكسره»، وكان يرى أن الحب أكبر شجاعة للنفس البشرية، فيقول: «الجبان غير قادر على إظهار الحب، فهذا من امتياز الشجعان».
وكان رحيماً بالذين يسيئون إليه أو يلقونه بالحجارة «رمانى الناس بالحجارة، فجمعتها، وبنيت بها بيتاً».
وكان يردد كلمات أشبه بكلمات حجة الإسلام الغزالى الذى كان يكفر الكفر والفسق والظلم، لكنه لا يكره الكافر والظالم والفاسق فكان يقول: «أكره الخطيئة وأحب الخاطئ».
وكأنه قرأ قول الله تعالى «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً» أى تكفى الجميع، فيقول «غاندى»: «الأرض توفر ما يكفى لتلبية احتياجات كل إنسان، ولكن ليس لجشع كل رجل»، وكأنه عاش مع على بن أبى طالب، وهو يُردّد «ما جاع فقير إلا لأن غنياً حرمه حقه».
وكان يكره علو البريطانيين وكلماتهم عن حصرية الحضارة الأوروبية، فيقول «لا يمكن لحضارة العيش إذا كانت تحاول أن تكون حصرية»، وصدق، فالحضارة الحصرية على أهلها ليست بحضارة.
وكان يرفض ظلم أو اضطهاد أو سلب حقوق الناس باسم الدين فيقول: «لا أعرف خطيئة أعظم من اضطهاد برىء باسم الله»، وكان يهضم ذاته ناظراً إلى الناس فقط، فيقول: «أنا أنظر فقط إلى المزايا الحسنة فى الناس، لأنى لا أخلو من العيوب، فلا يفترض أن أتكلم فى عيوب الآخرين»، وكان يكره الفقر والعوز، ويقول «الفقر أسوأ أشكال العنف، وذلك مثل الإمام على الذى ردد مراراً: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته».
ورفض هجرة اليهود إلى فلسطين واحتلالهم لها، فقال «إنهم يتقاسمون مع البريطانيين نهب شعب لم يسئ إليهم فى شىء»، وكان ينصح اليهود بالحصول على حقوقهم فى بلدانهم الأصلية، بدلاً من الذهاب إلى وطن آخر.
وفى أيامه الأخيرة ووسط الاقتتال الطائفى بين الهندوس والمسلمين أصرَّ على افتتاح صلواته فى المعابد الهندوسية بآية من القرآن الكريم، مما أغاظ المتعصّبين الهندوس الذين لم يتحمّلوا سماحته وعفوه، فقتله أحدهم.
ولو أن الحركة الإسلامية المعاصرة سارت مسيرة «غاندى»، وتعلمت من طريقته، فجمعت بين السلمية والحب والتسامح والشجاعة لتغيير كل شىء فى بلادنا إلى الأفضل.