فى محاضرات مادة «النظم السياسية والقانون الدستورى»، المقررة على طلبة الفرقة الأولى بكليات الحقوق، وفى محاضرات مادة «القانون الدولى العام» المقررة على الفرقة الثانية، تعلمنا أن الدولة تقوم على أركان ثلاثة، هى: الشعب، والإقليم والسيادة. وانعدام أحد هذه الأركان يؤدى حتماً إلى انتفاء الدولة. وحيث تتوافر هذه الأركان الثلاثة مجتمعة توجد الدولة كحقيقة مادية وواقعية فى نظر القانون والمجتمع على الصعيد الداخلى. أما وجودها على الصعيد الدولى أو الخارجى، فيستلزم الاعتراف بها من جانب أعضاء الجماعة الدولية، أى من خلال منظمة الأمم المتحدة فى العصر الحالى.
والإقليم ركن أساسى من أركان الدولة، فهو النطاق الذى تمارس فيه سلطاتها وتباشر عليه سلطانها، وهو المجال الذى يتأكد به وجودها وتتجلى فيه مظاهر سيادتها. ويتكون إقليم الدولة عادة من ثلاثة عناصر، هى: الإقليم البرى أو الأرضى، والإقليم البحرى أو المائى، والإقليم الجوى أو الهوائى الذى يعلو الجزءين البرى والبحرى الخاضعين لسيادة الدولة وسلطانها. ولا جدال فى أن عنصر الهواء والفضاء يتفرع عن السيادة أو الولاية التى تثبت للدولة على إقليمها اليابس وعلى مياهها الداخلية أو الوطنية وعلى بحرها الإقليمى. فحيث يوجد الإقليم الأرضى أو البرى للدولة، وحيث يوجد إلى جانبه إقليمها المائى أو البحرى، فلا بد أن يوجد بحكم الضرورة ومنطق الأشياء إقليمها الهوائى والفضائى. فسيادة الدولة لا تنبسط فقط على سطح إقليمها وحده، بل تشمل أيضاً جميع ما تحت هذا السطح من طبقات سفلى إلى ما لا نهاية فى العمق، وكذلك تنبسط هذه السيادة على ما يوجد فوق هذا السطح من طبقات عليا من الهواء والفضاء إلى ما لا نهاية فى الارتفاع.
ولم تُثِر طبقات الجو اهتمام الباحثين فى القانون الدولى إلا منذ عهد قريب، حينما كشف العلم عن إمكانية استخدام هذه الطبقات فى الاتصال المادى والفكرى بين الدول وقت السلم وفى الهجوم والاعتداء وقت الحرب. ولم يقتصر الانتفاع بالهواء والفضاء على النقل عن طريق الملاحة الجوية وحدها، حيث أتاح التقدم العلمى والتطور التقنى للإنسان أن ينتفع بالهواء كوسيلة للإذاعة وكسبيل للتواصل عن طريق إرسال واستقبال الموجات الصوتية. كذلك، تهيأت سبل الوصول إلى الفضاء الكونى من خلال صواريخ ومركبات فضائية وأقمار اصطناعية، تخترق طبقات الهواء والفضاء التابعة لكل دول المعمورة وتعبرها مرات عديدة، دون أن تحصل على إذن سابق من الدول التى تمر عبر هوائها أو فضائها، وتدور فى الفلك مع الكواكب وتشرف فى سيرها على كل أجزاء عالمنا الأرضى.
وهكذا، يمكن القول بأن مبدأ سيادة الدولة على هوائها وفضائها إلى ما لا نهاية فى الارتفاع قد صار مبدأً متخلفاً، لا يتواءم مع طبيعة الأشياء، ولا يتسق مع طبيعة الأوضاع الراهنة فى عالمنا المعاصر. ولا يزال المستقبل مشحوناً بالأحداث العلمية الجيولوجية التى سوف تفتح آفاقاً واسعة لا يمكن التنبؤ بمداها الآن. والسؤال الآن هو: هل يمكن أن نشهد قريباً إطلاق المشروع المصرى لاستكشاف الفضاء؟
والله من وراء القصد..