حملة آخذة فى الانتشار بدولة بريطانيا عنوانها «عاقب مسلماً»، أخشى أن تنتشر إلى غيرها من المجتمعات الأوروبية. الحملة تدعو إلى إيذاء أى مسلم على هويته، وتقترح المنشورات الخاصة بها عدة أشكال للإيذاء، من بينها الإساءة اللفظية، وخلع حجاب فتاة مسلمة، وإلقاء ماء حارق فى وجه مسلم، والضرب والتعذيب بالصعق الكهربائى، بالإضافة إلى حرق أو تدمير مسجد. ويحصل المشاركون فى ماراثون الأذى على نقاط تبلغ ذروتها 1000 نقطة بحرق مسجد!. الواضح أن الحملة تأتى كرد فعل على عمليات الإيذاء التى تمت على يد مسلمين بحق مواطنين أوروبيين، دهساً أو طعناً أو قتلاً بالرصاص. والشكلان من الإيذاء، سواء الذى يقع لمسلم على يد مسيحى، أو الذى يقع لمسيحى على يد مسلم، يشرح لك كيف يمكن أن تتحول الشعوب إلى أداة عمياء فى يد صناع الإرهاب.
الإرهاب صناعة وليس فكرة مرتبطة بأى دين. فلا هو مرتبط بالإسلام ولا بالمسيحية ولا باليهودية. فالأديان -كل الأديان- تحرص على غرس قيم الرحمة والتسامح فى نفوس المؤمنين بها. وعندما يصل شعب من الشعوب إلى محطة الاقتناع بأذية الآخر الدينى فاعلم أن المسألة ليست ديناً، بل هى الدنيا بكل ما يتفاعل فيها من صراعات يستهدف من خلالها الأباطرة الكبار السيطرة على مقدرات البشر، إنها معركة يصبح فيها المواطن العادى هو الجانى والضحية فى الوقت نفسه. فى الحروب الصليبية تم الزج ببسطاء أوروبا فى أتون حرب سياسية مصالحية تحت ستار الدين، تماماً مثلما يزج الآن بمواطنين بريطانيين لأذية مسلمين مسالمين، ليس لهم علاقة من قريب أو من بعيد بالإرهاب، إنهم بشر مثلهم يريدون العيش والحياة، وربما خرجوا من ديارهم وأوطانهم هرباً من الإرهاب.
قبل عدة أيام توفيت الطالبة مريم عبدالسلام، المصرية المسلمة التى اعتدى عليها 10 فتيات إنجليزيات. تعرضت «مريم» للضرب والسحل، ما تسبب فى إصابتها بإصابات بالغة، أدت إلى نقلها للمستشفى، لتمكث فيه بضعة أيام قبل أن يوافيها الأجل. لا أحد يدرى هل واقعة «مقتل مريم» تأتى ضمن تفاعلات المسابقة البريطانية «عاقب مسلماً» أم لا، لكنها فى كل الأحوال تقدم لك نموذجاً على فكرة استرخاص دم البشر العاديين فى إطار تلك الصناعة الكبرى التى أصبحت أكثر الصناعات رواجاً منذ مطلع الألفية الثالثة «صناعة الإرهاب». بالأمس كانت الصناعة ترفع شعار «عاقب مسيحياً»، أما اليوم فشعارها «عاقب مسلماً».
الإرهاب صناعة تعتمد على استثمارات مالية كبرى. فالمال لازم لشراء السلاح وأدوات القتل، وضرورى للتدريب، وتسهيل وصول الكوادر الإرهابية إلى مسارح العمليات، ودفع مرتباتها، واستثمارات مالية تشارك فيها دول وأجهزة ومتنفذون عالميون، ويدفع ثمنها المواطنون العاديون من هنا أو هناك. أى حديث يربط ما بين الإرهاب والأديان هو حديث فارغ من أى مضمون، حديث أشخاص لا يريدون حل المشكلة، بل يبغون استمرارها والتربح منها، وتحقيق أهداف خبيثة من ورائها. الإرهاب حالة تصنعها حكومات وأجهزة دول، وينفق عليها مستفيدون كبار، ويذهب ضحيته «مريم» وأمثالها ممن لا ناقة لهم ولا جمل فى صراع باطنه السلطة والسطوة وظاهره العذاب والإرهاب.